ثمرته السعادة الأبدية (أ) والشقاوة، وهذا ثمرته السعادة (أ) والشقاوة في الدنيا.
قوله تعالى * (فلا تطع المكذبين) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر ما عليه الكفار في أمر الرسول ونسبته إلى الجنون مع الذي أنعم الله به عليه من الكمال في أمر الدين والخلق، أتبعه بما يدعوه إلى التشدد مع قومه وقوى قلبه بذلك مع قلة العدد وكثرة الكفار، فإن هذه السورة من أوائل ما نزل فقال: * (فلا تطع المكذبين) * يعني رؤساء أهل مكة، وذلك أنهم دعوه إلى دين آبائه فنهاه الله أن يطيعهم، وهذا من الله إلهاب وتهييج التشدد في مخالفتهم.
ثم قال:
* (ودوا لو تدهن فيدهنون * ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشآء بنميم * مناع للخير معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم) *.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال الليث: الإدهان اللين والمصانعة والمقاربة في الكلام، قال المبرد: داهن الرجل في دينه وداهن في أمره إذا خان فيه وأظهر خلاف ما يضمر، والمعنى تترك بعض ما أنت عليه مما لا يرضونه مصانعة لهم فيفعلوا مثل ذلك ويتركوا بعض مالا ترضى فتلين لهم ويلينون لك، وروى عطاء عن ابن عباس: لو تكفر فيكفرون.
المسألة الثانية: إنما رفع * (فيدهنون) * ولم ينصب بإضمار أن وهو جواب التمني لأنه قد عدل به إلى طريق آخر وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف أي فهم يدهنون كقوله: * (فمن يؤمن بربه فلا يخاف) * (الجن: 13) على معنى ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ، قال سيبويه: وزعم هارون وكان من القراء أنها في بعض المصاحف: (ودوا لو تدهن فيدهنوا).
واعلم أنه تعالى لما نهاه عن طاعة المكذبين، وهذا يتناول النهي عن طاعة جميع الكفار إلا أنه أعاد النهي عن طاعة من كان من الكفار موصفا بصفات مذمومة وراء الكفر، وتلك الصفات هي هذه: الصفة الأولى: كونه حلافا، والحلاف من كان كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف ومثله قوله: * (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) * (البقرة: 224).
الصفة الثانية: كونه مهينا، قال الزجاج: هو فعيل من المهانة، ثم فيه وجهان أحدهما: أن المهانة هي القلة والحقارة في الرأي والتمييز والثاني: أنه إنما كان مهينا لأن المراد الحلاف