فإن حالتهم في نصرة الرسول مشهورة، وقال آخرون بل بدل الله كفر بعضهم بالإيمان، وقال بعضهم: لم يقع هذا التبديل، فإنهم أو أكثرهم بقوا على جملة كفرهم إلى أن ماتوا، وإنما كان يصح وقوع التبديل بهم لو أهلكوا، لأن مراده تعالى بقوله: * (إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم) * بطريق الإهلاك، فإذا لم يحصل ذلك فكيف يحكم بأن ذلك قد وقع، وإنما هدد تعالى القوم بذلك لكي يؤمنوا.
قوله تعالى * (يوم يخرجون من الاجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون * خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذى كانوا يوعدون) *.
ثم ذكر تعالى ذلك اليوم الذي تقدم ذكره فقال: * (يوم يخرجون من الأجداث سراعا) * وهو كقوله: * (فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) *.
قوله تعالى: * (كأنهم إلى نصب يوفضون * خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون) *.
اعلم أن في * (نصب) * ثلاث قراءات أحدها: وهي قراءة الجمهور * (نصب) * بفتح النون والنصب كل شيء نصب والمعنى كأنهم إلى علم لهم يستبقون والقراءة الثانية: * (نصب) * بضم النون وسكون الصاد وفيه وجهان أحدهما: النصب والنصب لغتان مثل الضعف والضعف وثانيهما: أن يكون جمع نصب كشقف جمع شقف والقراءة الثالثة: * (نصب) * بضم النون والصاد، وفيه وجهان أحدهما: أن يكون النصب والنصب كلاهما يكونان جمع نصب كأسد وأسد جمع أسد وثانيهما: أن يكون المراد من النصب الأنصاب وهي الأشياء التي تنصب فتعبد من دون الله كقوله: * (وما ذبح على النصب) * وقوله: * (يوفضون) * يسرعون، ومعنى الآية على هذا الوجه أنهم يوم يخرجون من الأجداث يسرعون إلى الداعي مستبقين كما كانوا يستبقون إلى أنصارهم، وبقية السورة معلومة، والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.