البحث الثاني: كيف تكون الملائكة غلاظا شدادا وهم من الأرواح، فنقول: الغلظة والشدة بحسب الصفات لما كانوا من الأرواح لا بحسب الذات، وهذا أقرب بالنسبة إلى الغير من الأقوال.
البحث الثالث: قوله تعالى: * (لا يعصون الله ما أمرهم) * في معنى قوله: * (ويفعلون ما يؤمرون) * فما الفائدة في الذكر فنقول: ليس هذا في معنى ذلك لأن معنى الأول أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا ينكرونها، ومعنى الثاني أنهم (يؤدون) ما يؤمرون به كذا ذكره في " الكشاف ".
ثم قال تعالى:
* (يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الانهار يوم لا يخزى الله النبى والذين ءامنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنآ أتمم لنا نورنا واغفر لنآ إنك على كل شىء قدير * يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) *.
قوله: * (توبة نصوحا) * أي توبة بالغة في النصح، وقال الفراء: نصوحا من صفة التوبة والمعنى توبة تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه، وهو أنها الصادقة الناصحة ينصحون بها أنفسهم، وعن عاصم، * (نصوحا) * بضم النون، وهو مصدر نحو العقود، يقال: نصحت له نصحا ونصاحة ونصوحا، وقال في " الكشاف ": وصفت التوبة بالنصح على الإسناد المجازي، وهو أن يتوبوا عن القبائح نادمين عليها غاية الندامة لا يعودون، وقيل: من نصاحة الثوب، أي خياطته و * (عسى ربكم) * إطماع من الله تعالى لعباده.
وقوله تعالى: * (يوم لا يخزي الله النبي) * نصب بيدخلكم، و * (لا يخزي) * تعريض لمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسق واستحماد للمؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم، ثم المعتزلة تعلقوا بقوله تعالى: * (يوم لا يخزي الله النبي) * وقالوا: الإخزاء يقع بالعذاب، فقد وعد بأن لا يعذب الذين آمنوا، ولو كان أصحاب الكبائر من الإيمان لم نخف عليهم العذاب، وأهل السنة أجابوا