في الدنيا وأشد التهويل في الآخرة، ثم قال القفال: فهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه وإن كانت الآثار غير واردة به.
المسألة الثانية: احتج من جوز الذنب على الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية، فقال: إن ذلك الاستعجال إن كان بإذن الله تعالى فكيف نهاه عنه وإن كان لا بإذن الله تعالى فقد صدر الذنب عنه الجواب: لعل ذلك الاستعجال كان مأذونا فيه إلى وقت النهي عنه، ولا يبعد أن يكون الشيء مأذونا فيه في وقت ثم يصير منهيا عنه في وقت آخر، ولهذا السبب قلنا: يجوز النسخ.
المسألة الثالثة: روى سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه حفظ التنزيل وكان إذا نزل عليه الوحي يحرك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبريل مخافة أن لا يحفظ، فأنزل تعالى: * (لا تحرك به لسانك) * أي بالوحي والتنزيل والقرآن، وإنما جاز هذا الإضمار وإن لم يجر له ذكر لدلالة الحال عليه، كما أضمر في قوله: * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * (القدر: 1) ونظير قوله: * (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) * (طه: 114) وقوله: * (لتعجل به) * أي لتعجل بأخذه.
أما قوله تعالى:
* (إن علينا جمعه وقرءانه) *.
ففيه مسائل:
المسألة الأولى: كلمة على للوجوب فقوله: إن علينا يدل على أن ذلك كالواجب على الله تعالى، أما على مذهبنا فذلك الوجوب بحكم الوعد، وأما على قول المعتزلة: فلأن المقصود من البعثة لا يتم إلا إذا كان الوحي محفوظا مبرأ عن النسيان، فكان ذلك واجبا نظرا إلى الحكمة.
المسألة الثانية: قوله: * (إن علينا جمعه) * معناه علينا جمعه في صدرك وحفظك، وقوله: * (وقرآنه) * فيه وجهان أحدهما: أن المراد من القرآن القراءة، وعلى هذا التقدير ففيه احتمالان أحدهما: أن يكون المراد جبريل عليه السلام، سيعيده عليك حتى تحفظه والثاني: أن يكون المراد إنا سنقرئك يا محمد إلى أن تصير بحيث لا تنساه، وهو المراد من قوله: * (سنقرئك فلا تنسى) * (الأعلى: 6) فعلى هذا الوجه الأول القارئ جبريل عليه السلام، وعلى الوجه الثاني القارئ محمد صلى الله عليه وسلم والوجه الثاني: أن يكون المراد من القرآن الجمع والتأليف، من قولهم: ما قرأت الناقة سلاقط، أي ما جمعت، وبنت عمرو بن كلثوم لم تقرأ جنينا، وقد ذكرنا ذلك عند تفسير القرء، فإن قيل: فعلى هذا الوجه يكون الجمع والقرآن واحدا فيلزم التكرار، قلنا: يحتمل أن يكون المراد من الجمع جمعه في نفسه ووجوده الخارجي، ومن القرآن جمعه في ذهنه وحفظه، وحينئذ يندفع التكرار.
قوله تعالى * (فإذا قرأناه فاتبع قرءانه) *.
فيه مسألتان:
المسألة الأولى: جعل قراءة جبريل عليه السلام قراءته، وهذا يدل على الشرف العظيم لجبريل عليه السلام، ونظيره في حق محمد عليه الصلاة والسلام * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * (النساء: 80).