لقيام القيامة، كأنه قيل: إذا كان كذا وكذا كانت القيامة، ولا يليق بهذا الموضع أن يقال: وإذا بين لهم الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم قامت القيامة لأن ذلك البيان كان حاصلا في الدنيا ولأن الثلاثة المتقدمة هي الطمس والفرج والنسف مختصة بوقت قيام القيامة، فكذا هذا التوقيت يجب أن يكون مختصا بوقت قيام القيامة القول الثاني: أن المراد بهذا التأقيت تحصيل الوقت وتكوينه، وهذا أقرب أيضا إلى مطابقة اللفظ، لأن بناء التفعيلات على تحصيل تلك الماهيات، فالتسويد تحصيل السواد والتحريك تحصيل الحركة، فكذا التأقيت تحصيل الوقت ثم إنه ليس في اللفظ بيان أنه تحصيل لوقت أي شيء، وإنما لم يبين ذلك ولم يعين لأجل أن يذهب الوهم إلى كل جانب فيكون التهويل فيه أشد فيحتمل أن يكون المراد تكوين الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم وأن يكون هو الوقت الذي يجتمعون فيه للفوز بالثواب، وأن يكون هو وقت سؤال الرسل عما أجيبوا به وسؤال الأمم عما أجابوهم، كما قال: * (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) * وأن يكون هو الوقت الذي يشاهدون الجنة والنار والعرض والحساب والوزن وسائر أحوال القيامة، وإليه الإشارة بقوله: * (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) *.
* (لأي يوم أجلت) *.
أي أخرت كأنه تعالى يعجب العباد من تعظيم ذلك اليوم فقال: لأي يوم أخرت الأمور المتعلقة بهؤلاء: وهي تعذيب من كذبهم وتعظيم من آمن بهم وظهور ما كانوا يدعون الخلق إلى الإيمان به من الأهوال والعرض والحساب ونشر الدواوين ووضع الموازين.
ثم إنه تعالى بين ذلك فقال:
* (ليوم الفصل) *.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوم يفصل الرحمن بين الخلائق، وهذا كقوله: * (إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين) *.
ثم أتبع ذلك تعظيما ثانيا فقال:
* (ومآ أدراك ما يوم الفصل) *.
* (وما أدراك ما يوم الفصل) * أي وما علمك بيوم الفصل وشدته ومهابته.
ثم أتبعه بتهويل ثالث فقال:
* (ويل يومئذ للمكذبين) *.
أي للمكذبين بالتوحيد والنبوة والمعاد وبكل ما ورد من الأنبياء عليهم السلام وأخبروا عنه، بقي ههنا سؤالان.
السؤال الأول: كيف وقع النكرة مبتدأ في قوله: * (ويل يومئذ للمكذبين) *؟ الجواب: هو في أصله مصدر منصوب ساد مسد فعله، ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك