السؤال الثاني: سلك السلسلة فيهم معقول، أما سلكهم في السلسلة فما معناه؟ الجواب: سلكه في السلسلة أن تلوى على جسده حتى تلتف عليه أجزاؤها وهو فيما بينها مزهق مضيق عليه لا يقدر على حركة، وقالوا الفراء: المعنى ثم اسلكوا فيه السلسلة كما يقال: أدخلت رأسي في القلنسوة وأدخلتها في رأسي، ويقال: الخاتم لا يدخل في إصبعي، والإصبع هو الذي يدخل في الخاتم.
السؤال الثالث: لم قال في سلسلة فاسلكوه، ولم يقل: فاسلكوه في سلسلة؟ الجواب: المعنى في تقديم السلسلة على السلك هو الذي ذكرناه في تقديم الجحيم على التصلية ، أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة لأنها أفظع من سائر السلاسل السؤال الرابع: ذكر الأغلال والتصلية بالفاء وذكر السلك في هذه السلسة بلفظ ثم، فما الفرق؟ الجواب: ليس المراد من كلمة ثم تراخي المدة بل التفاوت في مراتب العذاب.
واعلم أنه تعالى لما شرح هذا العذاب الشديد ذكر سببه فقال:
* (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم * ولا يحض على طعام المسكين) *.
فالأول إشارة إلى فساد حال القوة العاقلة. والثاني إشارة إلى فساد حال القوة العملية، وههنا مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (ولا يحض على طعام المسكين) * فيه قولان: أحدهما: ولا يحض على بذل طعام المسكين والثاني: أن الطعام ههنا اسم أقيم مقام الإطعام كما وضع العطاء مقام الإعطاء في قوله: وبعد عطائك المائة الرتاعا المسألة الثانية: قال صاحب الكشاف قوله: * (ولا يحض على طعام المسكين) * فيه دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المساكين أحدهما: عطفه على الكفر وجعله قرينة له والثاني: ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بمن يترك الفعل!.
المسألة الثالثة: دلت الآية على أن الكفار يعاقبون على ترك الصلاة والزكاة، وهو المراد من قولنا: إنهم مخاطبون بفروع الشرائع، وعن أبي الدرداء أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين، ويقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان أفلا نخلع النصف الباقي! وقيل: المراد منه منع الكفار وقولهم: * (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) * (يس: 47).
ثم قال: * (فليس له اليوم هاهنا حميم) *.
أي ليس له في الآخرة حميم أي قريب يدفع عنه ويحزن عليه، لأنهم يتحامون ويفرون منه كقوله: * (ولا يسأل حميم حميما) * وكقوله: * (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) *.