نوح، وعتت الريح على خزانها يوم عاد، فلم يكن لها عليها سبيل، فعلى هذا القول: هي عاتية على الخزان الثاني: قال عطاء عن ابن عباس: يريد الريح عتت على عاد فما قدروا على ردها بحيلة من استتار ببناء أو (استناد إلى جبل)، فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم القول الثالث: أن هذا ليس من العتو الذي هو عصيان، إنما هو بلوغ الشيء وانتهاؤه ومنه قولهم: عتا النبت، أي بلغ منتهاه وجف، قال تعالى: * (وقد بلغت من الكبر عتيا) * (مريم: 8) فعاتية أي بالغة منتهاها في القوة والشدة.
* (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية) *.
قوله تعالى: * (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) * قال مقاتل: سلطها عليهم.
وقال الزجاج: أقلعها عليهم، وقال آخرون: أرسلها عليهم، هذه هي الألفاظ المنقولة عن المفسرين، وعندي أن فيه لطيفة، وذلك لأن من الناس من قال: إن تلك الرياح إنما اشتدت، لأن اتصالا فلكيا نجوميا اقتضى ذلك، فقوله: * (سخرها) * فيه إشارة إلى نفي ذلك المذهب، وبيان أن ذلك إنما حصل بتقدير الله وقدرته، فإنه لولا هذه الدقيقة لما حصل منه التخويف والتحذير عن العقاب.
وقوله: * (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) * الفائدة فيه أنه تعالى لو لم يذكر ذلك لما كان مقدار زمان هذا العذاب معلوما، فلما قال: * (سبع ليال وثمانية أيام) * صار مقدار هذا الزمان معلوما، ثم لما كان يمكن أن يظن ظان أن ذلك العذاب كان متفرقا في هذه المدة أزال هذا الظن، بقوله: * (حسوما) * أي متتابعة متوالية، واختلفوا في الحسوم على وجوه أحدها: وهو قول الأكثرين (حسوما)، أي متتابعة، أي هذه الأيام تتابعت عليهم بالريح المهلكة، فلم يكن فيها فتور ولا انقطاع، وعلى هذا القول: حسوم جمع حاسم. كشهود وقعود، ومعنى هذا الحسم في اللغة القطع بالاستئصال، وسمي السيف حساما، لأنه يحسم العدو عما يريد، من بلوغ عداوته فلما كانت تلك الرياح متتابعة ما سكنت ساعة حتى أتت عليهم أشبه تتابعها عليهم تتابع فعل الحاسم في إعادة الكي، على الداء كرة بعد أخرى، حتى ينحسم وثانيها: أن الرياح حسمت كل خير، واستأصلت كل بركة، فكانت حسوما أو حسمتهم، فلم يبق منهم أحد، فالحسوم على هذين القولين جمع حاسم وثالثها: أن يكون الحسوم مصدرا كالشكور والكفور، وعلى هذا التقدير فإما أن ينتصب بفعله مضمرا، والتقدير: يحسم حسوما، يعني استأصل استئصالا، أو يكون صفة، كقولك: ذات حسوم، أو يكون مفعولا له، أي سخرها عليهم للاستئصال، وقرأ السدي: * (حسوما) * بالفتح حالا من الريح، أي سخرها عليهم مستأصلة، وقيل: هي أيام العجوز، وإنما سميت بأيام العجوز، لأن عجوزا من عاد توارت في سرب، فانتزعتها الريح في اليوم الثامن فأهلكتها، وقيل: هي أيام العجز وهي آخر الشتاء.
قوله تعالى: * (فترى القوم فيها صرعى) * أي في مهابها، وقال آخرون: أي في تلك الليالي