عاليهم ثياب سندس، فعلى الاحتمالات الثلاثة الأول: تكون الثياب الأبرار، وعلى الاحتمال الرابع تكون الثياب ثياب الولدان الوجه الثالث: في سبب هذا النصب، أن يكون التقدير: رأيت أهل نعيم وملك عاليهم ثياب سندس.
المسألة الثانية: قرأ نافع وعاصم: خضر واستبرق، كلاهما بالرفع، وقرأ الكسائي وحمزة: كلاهما بالخفض، وقرأ ابن كثير: خضر بالخفض، واستبرق بالرفع، وقرأ أبو عمرو وعبد الله بن عامر: خضر بالرفع، واستبرق بالخفض، وحاصل الكلام فيه أن خضرا يجوز فيه الخفض والرفع، أما الرفع فإذا جعلتها صفة لثياب، وذلك ظاهر لأنها صفة مجموعة لموصوف مجموعة، وأما الخفض فإذا جعلتها صفة سندس، لأن سندس أريد به الجنس، فكان في معنى الجمع، وأجاز الأخفش وصف اللفظ الذي يراد به الجنس بالجمع، كما يقال: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض إلا أنه قال: إنه قبيح، والدليل على قبحه أن العرب تجيء بالجمع الذي هو في لفظ الواحد فيجرونه مجرى الواحد وذلك قولهم: حصى أبيض وفي التنزيل * (من الشجر الأخضر) * و * (أعجاز نخل منقعر) * إذ كانوا قد أفردوا صفات هذا الضرب من الجمع، فالواحد الذي في معنى الجمع أولى أن تفرد صفته، وأما استبرق فيحوز فيه الرفع والخفض أيضا معا، أما الرفع فإذا أريد به العطف على الثياب، كأنه قيل: ثياب سندس واستبرق وأما الخفض فإذا أريد إضافة الثياب إليه كأنه قيل: ثياب سندس واستبرق، والمعنى ثيابهما فأضاف الثياب إلى الجنسين كما يقال: ثياب خز وكتان، ويدل على ذلك قوله تعالى: * (ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق) * واعلم أن حقائق هذه الآية قد تقدمت في سورة الكهف. المسألة الثالثة: السندس ما رق من الديباج، والاستبرق ما غلظ منه، وكل ذلك داخل في اسم الحرير قال تعالى: * (ولباسهم فيها حرير) * ثم قيل: إن الذين هذا لباسهم هم الولدان المخلدون، وقيل: بل هذا لباس الأبرار، وكأنهم يلبسون عدة من الثياب فيكون الذي يعلوها أفضلها، ولهذا قال: * (عاليهم) * وقيل هذا من تمام قوله: * (متكئين فيها على الأرائك) * ومعنى * (عاليهم) * أي فوق حجالهم المضروبة عليهم ثياب سندس، والمعنى أن حجالهم من الحرير والديباج.
قوله تعالى: * (وحلوا أساور من فضة) * وفيه سؤالات: السؤال الأول: قال تعالى في سورة الكهف: * (أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب) * (الكهف: 31) فكيف جعل تلك الأساور ههنا من فضة؟ والجواب: من ثلاثة أوجه أحدها: أنه لا منافاة بين الأمرين فلعلهم يسورون بالجنسين إما على المعاقبة أو على الجمع كما تفعل النساء في الدنيا وثانيها: أن الطباع مختلفة فرب إنسان يكون استحسانه لبياض الفضة فوق استحسانه لصفرة الذهب، فالله تعالى يعطي كل أحد ما تكون رغبته فيه أتم، وميله إليه