هذه الآية إشارة إلى أمور كثيرة من صفاته أحدها: أنه كان معاندا في جميع الدلائل الدالة على التوحيد والعدل والقدرة وصحة النبوة وصحة البعث، وكان هو منازعا في الكل منكرا للكل وثانيها: أن كفره كان كفر عناد كان يعرف هذه الأشياء بقلبه إلا أنه كان ينكرها بلسانه وكفر المعاند أفحش أنواع الكفر وثالثها: أن قوله: * (إنه كان لآياتنا عنيدا) * يدل على أنه من قديم الزمان كان على هذه الحرفة والصنعة ورابعها: أن قوله: * (إنه كان لآياتنا عنيدا) * يفيد أن تلك المعاندة كانت منه مختصة بآيات الله تعالى وبيناته، فإن تقديره: إنه كان لآياتنا عنيدا لا لآيات غيرنا، فتخصيصه هذا العناد بآيات الله مع كونه تاركا للعناد في سائر الأشياء يدل على غاية الخسران.
قوله تعالى * (سأرهقه صعودا) *.
أي سأكلفه صعودا وفي الصعود قولان: الأول: أنه مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعب الذي لا يطاق مثل قوله: * (يسلكه عذابا صعدا) * (الجن: 17) وصعود من قولهم: عقبة صعود وكدود شاقة المصعد والثاني: أن صعودا اسم لعقبة في النار كلما وضع يده عليها ذابت فإذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت وإذا رفعها عادت، وعنه عليه الصلاة والسلام: " الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي كذلك فيه أبدا ".
ثم إنه تعالى حكى كيفية عناده فقال:
* (إنه فكر وقدر) *.
يقال: فكر في الأمر وتفكر إذا نظر فيه وتدبر، ثم لما تفكر رتب في قلبه كلاما وهيأه وهو المراد من قوله: * (فقدر) *.
ثم قال تعالى:
* (فقتل كيف قدر) *.
وهذا إنما يذكر عند التعجب والاستعظام، ومثله قولهم: قتله الله ما أشجعه، وأخزاه الله ما أشعره، ومعناه. أنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك، وإذا عرفت ذلك فنقول إنه يحتمل ههنا وجهين أحدهما: أنه تعجيب من قوة خاطره، يعني أنه لا يمكن القدح في أمر محمد عليه السلام بشبهة أعظم ولا أقوى مما ذكره هذا القائل والثاني: الثناء عليه على طريقة الاستهزاء، يعني أن هذا الذي ذكره في غاية الركاكة والسقوط.
ثم قال:
* (ثم قتل كيف قدر) *.
والمقصود من كلمه، ثم ههنا الدلالة على أن الدعاء عليه في الكرة الثانية أبلغ من الأولى.
ثم قال:
* (ثم نظر) *.
والمعنى أنه أولا: فكر وثانيا: قدر وثالثا: نظر في ذلك المقدر، فالنظر السابق للاستخراج، والنظر اللاحق للتقدير، وهذا هو الاحتياط. فهذه المراتب الثلاثة متعلقة بأحوال قلبه.