والثاني: هو المسكن فوصفه بقوله: * (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) * وفيه وجهان أحدهما: أن هواءها معتدل في الحر والبرد والثاني: أن الزمهرير هو القمر في لغة طيء هكذا رواه ثعلب وأنشد: وليلة ظلامها قد اعتكر * قطعتها والزمهرير ما زهر والمعنى أن الجنة ضياء فلا يحتاج فيها إلى شمس وقمر.
* (ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا) *.
والثالث: كونه بستانا نزها، فوصفه الله تعالى بقوله: * (ودانية عليهم ظلالها) * وفي الآية سؤالان الأول: ما السبب في نصب * (ودانية) *؟ الجواب: ذكر الأخفش والكسائي والفراء والزجاج فيه وجهين أحدهما: الحال بالعطف على قوله: * (متكئين) * كما تقول في الدار: عبد الله متكئا ومرسلة عليه الحجال، لأنه حيث قال: عليهم رجع إلى ذكرهم والثاني: الحال بالعطف على محل: * (يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) * (الإنسان: 13) والتقدير غير رائين فيها شمسا ولا زمهريرا * (ودانية عليهم ظلالها) * ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين يجتمعان لهم، كأنه قيل: وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والبرد، ودنو الظلال عليهم والثالث: أن يكون دانية نعتا للجنة، والمعنى: وجزاهم جنة دانية، وعلى هذا الجواب تكون دانية صفة لموصوف محذوف، كأنه قيل: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا، وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها، وذلك لأنهم وعدوا جنتين، وذلك لأنهم خافوا بدليل قوله: * (إنا نخاف من ربنا) * (الإنسان: 10) وكل من خاف فله جنتان، بدليل قوله: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * (الرحمن: 46) وقرئ: * (ودانية) * بالرفع على أن * (ظلالها) * مبتدأ * (ودانية) * خبر، والجملة في موضع الحال، والمعنى: * (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) * (الإنسان: 13) والحال أن ظلالها دانية عليهم.
السؤال الثاني: الظل إنما يوجد حيث توجد الشمس، فإن كان لا شمس في الجنة فكيف يحصل الظل هناك؟ والجواب: أن المراد أن أشجار الجنة تكون بحيث لو كان هناك شمس لكانت تلك الأشجار مظللة منها.
قوله تعالى: * (وذللت قطوفها تذليلا) * ذكروا في ذللت وجهين الأول: قال ابن قتيبة: ذللت أدنيت منهم من قولهم: حائط ذليل إذا كان قصير السمك والثاني: ظللت أي جعلت منقادة ولا تمتنع على قطافها كيف شاءوا.
قال البراء بن عازب: ذللت لهم فهم يتناولون منها كيف شاءوا، فمن أكل قائما لم يؤذه ومن أكل جالسا لم يؤذه ومن أكل مضطجعا لم يؤذه.
واعلم أنه تعالى لما وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم وصف بعد ذلك شرابهم وقدم عليه