أو بالمعنى الذي يستعقب الرؤية ظاهر، فوجب أن لا يرد بمعنى الانتظار دفعا للاشتراك.
وأما قول الشاعر: وجوه ناظرات يوم بدر * إلى الرحمن تنتظر الخلاصا قلنا: هذا الشعر موضوع والرواية الصحيحة: وجوه ناظرات يوم بكر * إلى الرحمن تنتظر الخلاصا والمراد من هذا الرحمن مسيلمة الكذاب، لأنهم كانوا يسمونه رحمن اليمامة، فأصحابه كانوا ينظرون إليه ويتوقعون منه التخلص من الأعداء، وأما قول الشاعر: وإذا نظرت إليك من ملك فالجواب: أن قوله: وإذا نظرت إليك، لا يمكن أن يكون المراد منه الانتظار، لأن مجرد الانتظار لا يستعقب العطية بل المراد من قوله: وإذا نظرت إليك، وإذا سألتك لأن النظر إلى الإنسان مقدمة المكالمة فجاز التعبير عنه به، وقوله: كلمة إلى ههنا ليس المراد منه حرف التعدي بل واحد الآلاء، قلنا: إن إلى على هذا القول تكون اسما للماهية التي يصدق عليه أنها نعمة، فعلى هذا يكفي في تحقق مسمى هذه اللفظة أي جزء فرض من أجزاء النعمة، وإن كان في غاية القلة والحقارة، وأهل الثواب يكونون في جميع مواقف القيامة في النعم العظيمة المتكاملة، ومن كان حاله كذلك كيف يمكن أن يبشر بأنه يكون في توقع الشيء الذي ينطلق عليه اسم النعمة، ومثال هذا أن يبشر سلطان الأرض بأنه سيصير حالك في العظمة والقوة بعد سنة، بحيث تكون متوقعا لحصول اللقمة الواحدة من الخبز والقطرة الواحدة من الماء، وكما أن ذلك فاسد من القول: فكذا هذا.
المقام الثاني: هب أن النظر المعدي بحرف إلى المقرون بالوجوه جاء في اللغة بمعنى الانتظار لكن لا يمكن حمل هذه الآية عليه، لأن لذة الانتظار مع يقين الوقوع كانت حاصلة في الدنيا، فلا بد وأن يحصل في الآخرة شيء أزيد منه حتى يحسن ذكره في معرض الترغيب في الآخرة، ولا يجوز أن يكون ذلك هو قرب الحصول، لأن ذلك معلوم بالعقل فبطل ما ذكروه من التأويل.
وأما التأويل الثاني: وهو أن المراد إلى ثواب ربها ناظرة، فهذا ترك للظاهر، وقوله: إنما صرنا إليه لقيام الدلائل العقلية والنقلية على أن الله لا يرى، قلنا: بينا في الكتب العقلية ضعف تلك الوجوه، فلا حاجة ههنا إلى ذكرها والله أعلم.
وقوله تعالى:
* (ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة) *.
الباسر: الشديد العبوس والباسل أشد منه، ولكنه غلب في الشجاع إذا اشتد كلوحه، والمعنى أنها عابسة كالحة قد