المسألة الأولى: وحد الرسول في قوله: * (إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه) * (الجن: 27) ثم جمع في قوله: * (أن قد أبلغوا رسالات ربهم) * ونظيره ما تقدم من قوله: * (فإن له نار جهنم خالدين) * (الجن: 23).
المسألة الثانية: احتج من قال بحدوث علم الله تعالى بهذه الآية لأن معنى الآية ليعلم الله أن قد أبلغوا الرسالة، ونظيره قوله تعالى: * (حتى نعلم المجاهدين) * (محمد: 31) والجواب من وجهين الأول: قال قتادة ومقاتل: ليعلم محمد أن الرسل قد أبلغوا الرسالة كما بلغ هو الرسالة، وعلى هذا، اللام في قوله: * (ليعلم) * متعلق بمحذوف يدل عليه الكلام كأنه قيل: أخبرناه بحفظ الوحي ليعلم أن الرسل قبله كانوا على مثل حالته من التبليغ الحق، ويجوز أن يكون المعنى ليعلم الرسول أن قد أبلغوا أي جبريل والملائكة الذين يبعثون إلى الرسل رسالات ربهم، فلا يشك فيها ويعلم أنها حق من الله الثاني: وهو اختيار أكثر المحققين أن المعنى ليعلم الله أن قد أبلغ الأنبياء رسالات ربهم، والعلم ههنا مثله في قوله: * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) * (آل عمران: 142) والمعنى ليبلغوا رسالات ربهم فيعلم ذلك منهم.
المسألة الثالثة: قرىء * (ليعلم) * على البناء للمفعول.
أما قوله: * (وأحاط بما لديهم) * فهو يدل على كونه تعالى عالما بالجزئيات، وأما قوله: * (وأحصى كل شيء عددا) * فهو يدل على كونه عالما بجميع الموجودات، فإن قيل: إحصاء العدد إنما يكون في المتناهي، وقوله: * (كل شيء) * يدل على كونه غير متناه، فلزم وقوع التناقض في الآية، قلنا: لا شك أن إحصاء العدد إنما يكون في المتناهي، فأما لفظة * (كل شيء) * فإنها لا تدل على كونه غير متناه، لأن الشيء عندنا هو الموجودات، والموجودات متناهية في العدد، وهذه الآية أحد ما يحتج به على أن المعدوم ليس بشيء، وذلك لأن المعدوم لو كان شيئا، لكانت الأشياء غير متناهية، وقوله: * (وأحصى كل شيء عددا) * يقتضي كون تلك المحصيات متناهية، فيلزم الجمع بين كونها متناهية وغير متناهية وذلك محال، فوجب القطع بأن المعدوم ليس بشيء حتى يندفع هذا التناقض.
والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين، وخاتم النبيين محمد النبي وآله وصحبه أجمعين.