جعل الأولين صفتين لشيء والثلاثة الأخيرة صفات لشيء واحد، فالإشكال عنه زائل، وأما من جعل الكل صفات لشيء واحد، فنقول: إن حملناها على الملائكة، فالملائكة إذا أرسلت طارت سريعا، وذلك الطيران هو العصف، فالعصف مرتب على الإرسال فلا جرم ذكر الفاء، أما النشر فلا يترتب على الإرسال، فإن الملائكة أول ما يبلغون الوحي إلى الرسل لا يصير في الحال ذلك الدين مشهورا منتشرا، بل الخلق يؤذون الأنبياء في أول الأمر وينسبونهم إلى الكذب والسحر والجنون، فلا جرم لم يذكر الفاء التي تفيد بل ذكر الواو، بلى إذا حصل النشر ترتب عليه حصول الفرق بين الحق والباطل وظهور ذكر الحق على الألسنة فلا جرم ذكر هذين الأمرين بحرف الفاء، فكأنه والله أعلم قيل: يا محمد إني أرسلت الملك إليك بالوحي الذي هو عنوان كل سعادة، وفاتحة كل خير، ولكن لا تطمع في أن ننشر ذلك الأمر في الحالة، ولكن لا بد من الصبر وتحمل المشقة، ثم إذا جاء وقت النصرة أجعل دينك ظاهرا منتشرا في شرق العالم وغربه، وعند ذلك الانتشار يظهر الفرق فتصير الأديان الباطلة ضعيفة ساقطة، ودينك هو الدين الحق ظاهرا غالبا، وهنالك يظهر ذلك الله على الألسنة، وفي المحاريب وعلى المنابر ويصير العالم مملوءا من ذكر الله، فهذا إذا حملنا هذه الكلمات الخمس على الملائكة، ومن عرف هذا الوجه أمكنه ذكر ما شابهه في الرياح وسائر الوجوه والله أعلم. أما قوله: * (عذرا أو نذرا) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: فيهما قراءتان التخفيف وهو قراءة أبي عمرو وعاصم من رواية حفص والباقون قرأوا بالتثقيل، أما التخفيف فلا نزاع في كونه مصدرا، والمعنى إعذارا وإنذارا، وأما التثقيل فزعم أبو عبيدة أنه جمع وليس بمصدر، وأما الأخفش والزجاج فزعما أنه مصدر، والتثقيل والتخفيف لغتان، وقرر أبو علي قول الأخفش والزجاج، وقال: العذر والعذير والنذر والنذير مثل النكر والنكير، ثم قال أبو علي: ويجوز في قراءة من ثقل أن يكون عذرا جمع عاذر كشرف وشارف، وكذلك النذر يجوز أن يكون جمع نذير، قال تعالى: * (هذا نذير من النذر الأولى) * (النجم: 56).
المسألة الثانية: في النصب ثلاثة أوجه، أما على تقدير كونه مصدرا فوجهان أحدهما: أن يكون مفعولا على البدل من قوله: ذكرا والثاني: أن يكون مفعولا له، والمعنى والملقيات ذكرا للأعذار والإنذار، وأما على تقدير كونه جمعا، فنصب على الحال من الإلقاء والتقدير فالملقيات ذكرا حال كونهم عاذرين ومنذرين.
* (إنما توعدون لواقع) *.
جواب القسم والمعنى، إن الذي توعدون به من مجيء