ومتى فارقت النفس القلب حصل الموت لا محالة، والآية تدل على أن عند بلوغها التراقي، تبقى الحياة حتى يقال فيه: من راق، وحتى تلتف الساق بالساق والجواب: المراد من قوله: * (حتى إذا بلغت التراقي) * أي إذا حصل القرب من تلك الحالة.
* (وقيل من راق) *.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في راق وجهان الأول: أن يكون من الرقية يقال: رقاه يرقيه رقية إذا عوذه بما يشفيه، كما يقال: بسم الله أرقيك، وقائل هذا القول على هذا الوجه، هم الذين يكونون حول الإنسان المشرف على الموت، ثم هذا الاستفهام، يحتمل أن يكون بمعنى الطلب كأنهم طلبوا له طبيبا يشفيه، وراقيا يرقيه، ويحتمل أن يكون استفهاما بمعنى الإنكار، كما يقول القائل عند اليأس: من الذي يقدر أن يرقي هذا الإنسان المشرف على الموت الوجه الثاني: أن يكون قوله: * (من راق) * من رقى يرقي رقيا، ومنه قوله تعالى: * (ولن نؤمن لرقيك) * وعلى هذا الوجه يكون قائل هذا القول هم الملائكة. قال ابن عباس: إن الملائكة يكرهون القرب من الكافر، فيقول ملك الموت من يرقى بهذا الكافر، وقال الكلبي: يحضر العبد عند الموت سبعة أملاك من ملائكة الرحمة، وسبعة من ملائكة العذاب مع ملك الموت، فإذا بلغت نفس العبد التراقي نظر بعضهم إلى بعض، أيهم يرقى بروحه إلى السماء فهو * (من راق) *.
المسألة الثانية: قال الواحدي إن إظهار النون عند حروف الفم لحسن، فلا يجوز إظهار نون من في قوله: * (من راق) * وروى حفص عن عاصم إظهار النون في قوله: * (من راق) * و * (بل ران) * (المطففين: 14) قال أبو علي الفارسي، ولا أعرف وجه ذلك، قال الواحدي، والوجه أن يقال: قصد الوقف على من وبل، فأظهرها ثم ابتدأ بما بعدهما، وهذا غير مرضي من القراءة.
* (وظن أنه الفراق) *.
قال المفسرون: المراد أنه أيقن بمفارقته الدنيا، ولعله إنما سمي اليقين ههنا بالظن، لأن الإنسان ما دام يبقى روحه متعلقا ببدنه، فإنه يطمع في الحياة لشدة حبه لهذه الحياة العاجلة على ما قال: * (كلا بل تحبون العاجلة) * (القيامة: 20) ولا ينقطع رجاؤه عنها فلا يحصل له يقين الموت، بل الظن الغالب مع رجاء الحياة، أو لعله سماه بالظن على سبيل التهكم.
واعلم أن الآية دالة على أن الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد موت البدن، لأنه تعالى سمى الموت فراقا، والفرق إنما يكون لو كانت الروح باقية، فإن الفراق والوصال صفة، والصفة تستدعي وجود الموصوف. ثم قال تعالى:
* (والتفت الساق بالساق) *.
الالتفاف هو الاجتماع، كقوله تعالى: * (جئنا بكم