إذا جمعه كأنه فعيل بمعنى مفعول والثاني: قال الليث: الكثيب نثر التراب أو الشيء يرمي به، والفعل اللازم انكثب ينكثب انكثابا، وسمي الكثيب كثيبا، لأن ترابه دقاق، كأنه مكثوب منثور بعضه على بعض لرخاوته، وقوله: * (مهيلا) * أي سائلا قد أسيل، يقال: تراب مهيل ومهيول أي مصبوب ومسيل الأكثر في اللغة مهيل، وهو مثل قولك مكيل ومكيول، ومدين ومديون، وذلك أن الياء تحذف منه الضمة فتسكن، والواو أيضا ساكنة، فتحذف الواو لالتقاء الساكنين ذكره الفراء والزجاج، وإذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى يفرق تركيب أجزاء الجبال وينسفها نسفا ويجعلها كالعهن المنفوش، فعند ذلك تصير كالكثيب، ثم إنه تعالى يحركها على ما قال: * (ويوم نسير الجبال) * (الكهف: 47) وقال: * (وهي تمر مر السحاب) * (النمل: 88) وقال: * (وسيرت الجبال) * (النبأ: 20) فعند ذلك تصير مهيلا، فإن قيل لم لم يقل: وكانت الجبال كثبانا مهيلة؟ قلنا: لأنها بأسرها تجتمع فتصير كثيبا واحدا مهيلا. واعلم أنه تعالى لما خوف المكذبين أولي النعمة بأهوال القيامة خوفهم بعد ذلك بأهوال الدنيا فقال تعالى:
* (إنآ أرسلنآ إليكم رسولا شاهدا عليكم كمآ أرسلنآ إلى فرعون رسولا * فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا) *.
واعلم أن الخطاب لأهل مكة والمقصود تهديدهم بالأخذ الوبيل، وههنا سؤالات:
السؤال الأول: لم نكر الرسول ثم عرف؟ الجواب: التقدير أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصاه فأخذناه أخذا وبيلا، فأرسلنا إليكم أيضا رسولا فعصيتم ذلك الرسول، فلا بد وأن نأخذكم أخذا وبيلا.
السؤال الثاني: هل يمكن التمسك بهذه الآية في إثبات أن القياس حجة؟ والجواب: نعم لأن الكلام إنما ينتظم لو قسنا إحدى الصورتين على الأخرى، فإن قيل: هب أن القياس في هذه الصورة حجة، فلم قلتم: إنه في سائر الصور حجة، وحينئذ يحتاج إلى قياس سائر القياسات على هذا القياس، فيكون ذلك إثباتا للقياس بالقياس، وإنه غير جائز؟ قلنا: لا نثبت سائر القياسات بالقياس على هذه الصورة، وإلا لزم المحذور الذي ذكرتم، بل وجه التمسك هو أن نقول: لولا أنه تمهد عندهم أن الشيئين اللذين يشتركان في مناط الحكم ظنا يجب اشتراكهما في الحكم، وإلا لما أورد هذا الكلام في هذه الصورة، وذلك لأن احتمال الفرق المرجوح قائم ههنا فإن لقائل أن يقول: لعلهم إنما استوجبوا الأخذ الوبيل بخصوصية حالة العصيان في تلك الصورة وتلك الخصوصية غير موجودة ههنا، فلا يلزم حصول الأخذ الوبيل ههنا، ثم إنه تعالى مع قيام هذا الاحتمال جزم