مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) *. قوله: * (اتقوا الله) * قال مقاتل: أخشوا الله فلا تعصوه فيما أمركم و * (لا تخرجوهن) * أي لا تخرجوا المعتدات من المساكن التي كنتم تساكنونهن فيها قبل الطلاق، فإن كانت المساكن عارية فارتجعت كان على الأزواج أن يعينوا مساكن أخرى بطريق الشراء، أو بطريق الكراء، أو بغير ذلك، وعلى الزوجات أيضا أن لا يخرجن حقا لله تعالى إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت ليلا أو نهارا كان ذلك الخروج حراما، ولا تنقطع العدة.
وقوله تعالى: * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * قال ابن عباس: هو أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن، قال الضحاك الأكثرون: فالفاحشة على هذا القول هي الزنا، وقال ابن عمر: الفاحشة خروجهن قبل انقضاء العدة، قال السدي والباقون: الفاحشة المبينة هي العصيان المبين، وهو النشوز، وعن ابن عباس: إلا أن يبذون فيحل إخراجهن لبذائهن وسوء خلقهن، فيحل للأزواج إخراجهن من بيوتهن، وفي الآية مباحث: البحث الأول: هل للزوجين التراضي على إسقاطها؟ نقول: السكنى الواجبة في حال قيام الزوجية حق للمرأة وحدها فلها إبطالها، ووجه هذا أن الزوجين ما داما ثابتين على النكاح فإنما مقصودهما المعاشرة والاستمتاع، ثم لا بد في تمام ذلك من أن تكون المرأة مستعدة له لأوقات حاجته إليها، وهذا لا يكون إلا بأنه يكفيها في نفقتها، كطعامها وشرابها وأدمها ولباسها وسكناها، وهذه كلها داخلة في إحصاء الأسباب التي بها يتم كل ما ذكرنا من الاستمتاع، ثم ما وراء ذلك من حق صيانة الماء ونحوها، فإن وقعت الفرقة زال الأصل الذي هو الانتفاع وزواله بزوال الأسباب الموصلة إليه من النفقة عليها، واحتيج إلى صيانة الماء فصارت السكنى في هذه الحالة بوجوبها الإحصاء لأسبابها، لأن أصلها السكنى، لأن بها تحصينها، فصارت السكنى في هذه الحالة لا اختصاص لها بالزوج، وصيانة الماء من حقوق الله، ومما لا يجوز التراضي من الزوجين على إسقاطه، فلم يكن لها الخروج، وإن رضي الزوج، ولا إخراجها، وإن رضيت إلا عن ضرورة مثل انهدام المنزل، وإخراج غاصب إياها أو نقلة من دار بكراء قد انقضت إجارتها أو خوف فتنة أو سيل أو حريق، أو غير ذلك من طريق الخوف على النفس، فإذا انقضى ما أخرجت له رجعت إلى موضعها حيث كان الثاني: قال: * (واتقوا الله ربكم) * ولم يقل: واتقوا الله مقصورا عليه فنقول: فيه من المبالغة ما ليس في ذلك فإن لفظ الرب ينبههم على أن التربية التي هي الإنعام والإكرام بوجوه متعددة غاية التعداد فيبالغون في التقوى حينئذ خوفا من فوت تلك التربية الثاني: ما معنى الجمع بين إخراجهم وخروجهن؟ نقول: معنى الإخراج أن لا يخرجهن