الصفة الرابعة: قوله تعالى: * (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير) *. الفوج الجماعة من الناس والأفواج الجماعات في تعرفه، ومنه قوله: * (فتأتون أفواجا) * (النبأ: 18) و * (خزنتها) * مالك وأعوانه من الزبانية * (ألم يأتكم نذير) * وهو سؤال توبيخ، قال الزجاج: وهذا التوبيخ زيادة لهم في العذاب، وفي الآية مسألتان:
المسألة الأولى: احتجت المرجئة على أنه لا يدخل النار أحد إلا الكفار بهذه الآية، قالوا: لأنه تعالى حكى عن كل من ألقي في النار أنهم قالوا: كذبنا النذير، وهذا يقتضي أن من لم يكذب الله ورسوله لا يدخل النار، واعلم أن ظاهر هذه الآية يقتضي القطع بأن الفاسق المصر لا يدخل النار، وأجاب القاضي عنه بأن النذير قد يطلق على ما في العقول من الأدلة المحذرة المخوفة، ولا أحد يدخل النار إلا وهو مخالف للدليل غير متمسك بموجبه.
المسألة الثانية: احتج القائلون بأن معرفة الله وشكره لا يجبان إلا بعد ورود السمع بهذه الآية وقالوا: هذه الآية دلت على أنه تعالى إنما عذبهم لأنه أتاهم النذير، وهذا يدل على أنه لو لم يأتهم النذير لما عذبهم.
ثم إنه تعالى حكى عن الكفار جوابهم عن ذلك السؤال من وجهين:
* (قالوا بلى قد جآءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شىء إن أنتم إلا فى ضلال كبير) *.
الأول: قوله تعالى: * (قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء) *.
واعلم أن قوله: * (بلى قد جاءنا نذير فكذبنا) * اعتراف منهم بعدل الله، وإقرار بأن الله أزاح عللهم ببعثة الرسل، ولكنهم كذبوا الرسل وقالوا: * (ما نزل الله من شيء) *.
أما قوله تعالى: * (إن أنتم إلا في ضلال كبير) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: في الآية وجهان الوجه الأول: وهو الأظهر أنه من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين الوجه الثاني: يجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار، والتقدير أن الكفار لما قالوا ذلك الكلام قالت الخزنة لهم: * (إن أنتم إلا في ضلال كبير) *.
المسألة الثانية: يحتمل أن يكون المراد من الضلال الكبير ما كانوا عليه من ضلالهم في الدنيا، ويحتمل أن يكون المراد بالضلال الهلاك، ويحتمل أن يكون سمي عقاب الضلال باسمه.
* (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير) *.
هذا هو الكلام