إلى الركوب، وحمل الشيء عليه، وفي البغال دون، وفي الحمار دون البغال، فالبغال كالمتوسط في المعاني الثلاثة، وحينئذ يلزم أن يكون الحمار في معنى الحمل أظهر وأغلب بالنسبة إلى الخيل والبغال، وغيرهما من الحيوانات، ومنها: أن هذا التمثيل لإظهار الجهل والبلادة، وذلك في الحمار إظهر، ومنها: أن في الحمار من الذل والحقارة مالا يكون في الغير، والغرض من الكلام في هذا المقام تعيير القوم بذلك وتحقيرهم، فيكون تعيين الحمار أليق وأولى، ومنها أن حمل الأسفار على الحمار أتم وأعم وأسهل وأسلم، لكونه ذلولا، سلس القياد، لين الانقياد، يتصرف فيه الصبي الغبي من غير كلفة ومشقة. وهذا من جملة ما يوجب حسن الذكر بالنسبة إلى غيره ومنها: أن رعاية الألفاظ والمناسبة بينها من اللوازم في الكلام، وبين لفظي الأسفار والحمار مناسبة لفظية لا توجد في الغير من الحيوانات فيكون ذكره أولى. الثاني: * (يحمل) * ما محله؟ نقول: النصب على الحال، أو الجر على الوصف كما قال في " الكشاف " إذا الحمار كاللئيم في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني * (فمررت ثمة قلت لا يعنيني) الثالث: قال تعالى: * (بئس مثل القوم) * كيف وصف المثل بهذا الوصف؟ نقول: الوصف وإن كان في الظاهر للمثل فهو راجع إلى القوم، فكأنه قال: بئس القوم قوما مثلهم هكذا.
ثم إنه تعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب لهم وهو قوله تعالى:
* (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أوليآء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) *.
هذه الآية من جملة ما مر بيانه، وقرئ: * (فتمنوا الموت) * بكسر الواو، و * (هادوا) * أي تهودوا، وكانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه، فلو كان قولكم حقا وأنتم على ثقة فتمنوا على الله أن يميتكم وينقلكم سريعا إلى دار كرامته التي أعدها لأوليائه، قال الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الأحياء فهم يطلبون الموت لا محالة إذا كانت الحالة هذه، وقوله تعالى: * (ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم) * أي بسبب ما قدموا من الكفر وتحريف الآيات، وذكر مرة بلفظ التأكيد * (ولن