عصيناه، فقال نوح عليه السلام: إنكم وإن كنتم عصيتموه ولكن استغفروه من تلك الذنوب، فإنه سبحانه كان غفارا.
السؤال الثاني: لم قال: * (إنه كان غفارا) * ولم يقل: إنه غفار؟ قلنا المراد: إنه كان غفارا في حق كل من استغفروه كأنه يقول: لا تظنوا أن غفاريته إنما حدثت الآن، بل هو أبدا هكذا كان، فكأن هذا هو حرفته وصنعته.
وقوله تعالى:
* (يرسل السمآء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) *.
واعلم أن الخلق مجبولون على محبة الخيرات العاجلة، ولذلك قال تعالى: * (وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب) * فلا جرم أعلمهم الله تعالى ههنا أن إيمانهم بالله يجمع لهم مع الحظ الوافر في الآخرة الخصب والغنى في الدنيا. والأشياء التي وعدهم من منافع الدنيا في هذه الآية خمسة أولها: قوله: * (يرسل السماء عليكم مدرارا) * وفي السماء وجوه: أحدها: (أن) المطر منها ينزل إلى السحاب وثانيها: أن يراد بالسماء السحاب وثالثها: أن يراد بالسماء المطر من قوله: إذا نزل السماء بأرض قوم * (رعيناه وإن كانوا غضابا) والمدرار الكثير الدرور، ومفعال مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، كقولهم: رجل أو امرأة معطار ومتفال وثانيها: قوله: * (ويمددكم بأموال) * وهذا لا يختص بنوع واحد من المال بل يعم الكل وثالثها: قوله: * (وبنين) * ولا شك أن ذلك مما يميل الطبع إليه. ورابعها: قوله: * (ويجعل لكم جنات) * أي بساتين وخامسها: قوله: * (ويجعل لكم أنهارا) *.
ثم قال:
* (ما لكم لا ترجون لله وقارا) *.
وفيه قولان: الأول: أن الرجاء ههنا بمعنى الخوف ومنه قول الهذلي: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها والوقار العظمة والتوقير التعظيم، ومنه قوله تعالى: * (وتوقروه) * بمعنى ما بالكم لا تخافون لله عظمة. وهذا القول عندي غير جائز، لأن الرجاء ضد الخوف في اللغة المتواترة الظاهرة، فلو قلنا: إن لفظة الرجاء في اللغة موضوعة بمعنى الخوف لكان ذلك ترجيحا للرواية الثابتة بالآحاد على الرواية