ههنا سبيل الخير والشر والنجاة والهلاك، ويكون معنى هديناه، أي عرفناه وبينا كيفية كل واحد منهما له، كقوله تعالى: * (وهديناه النجدين) * (البلد: 10) ويكون السبيل اسما للجنس، فلهذا أفرد لفظه كقوله تعالى: * (إن الإنسان لفي خسر) * (العصر: 2) ويجوز أن يكون المراد بالسبيل، هو سبيل الهدى لأنها هي الطريقة المعروفة المستحقة لهذا الاسم على الإطلاق، فأما سبيل الضلالة فإنما هي سبيل بالإضافة، ألا ترى إلى قوله تعالى: * (إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل) * (الأحزاب: 67) وإنما أضلوهم سبيل الهدى، ومن ذهب إلى هذا جعل معنى قوله: * (هديناه) * أي أرشدناه، وإذا أرشد لسبيل الحق، فقد نبه على تجنب ما سواها، فكان اللفظ دليلا على الطريقين من هذا الوجه.
المسألة الثالثة: المراد من هداية السبيل خلق الدلائل، وخلق العقل الهادي وبعثة الأنبياء وإنزال الكتب، كأنه تعالى قال: خلقتك للابتلاء ثم أعطيتك كل ما تحتاج إليه * (ليهلك من هلك عن بينة) * (الأنفال: 42) وليس معناه خلقنا الهداية، ألا ترى أنه ذكر السبيل، فقال: * (هديناه السبيل) * أي أريناه ذلك.
المسألة الرابعة: قال الفراء: هديناه السبيل، وإلى السبيل وللسبيل، كل ذلك جائز في اللغة.
قوله تعالى: * (إما شاكرا وإما كفورا) * فيه مسائل:
المسألة الأولى: في الآية أقوال: الأول: أن شاكر أو كفورا حالان من الهاء، في هديناه السبيل، أي هديناه السبيل كونه شاكرا وكفورا، والمعنى أن كل ما يتعلق بهداية الله وإرشاده، فقد تم حالتي الكفر والإيمان.
والقول الثاني: أنه انتصب قوله شاكرا وكفورا بإضمار كان، والتقدير سواء كان شاكرا أو كان كفورا.
والقول الثالث: معناه إنا هديناه السبيل، ليكون إما شاكرا وإما كفورا أي ليتميز شكره من كفره وطاعته من معصيته كقوله: * (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * (هود: 7) وقوله: * (ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا) * (العنكبوت: 3) وقوله: * (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم) * (محمد: 31) قال القفال: ومجاز هذه الكلمة على هذا التأويل قول القائل، قد نصحت لك إن شئت فأقبل، وإن شئت فاترك، أي فإن شئت فتحذف الفاء فكذا المعنى: إنا هديناه السبيل فإما شاكرا وإما كفورا، فتحذف الفاء وقد يحتمل أن يكون ذلك على جهة الوعيد أي إنا هديناه السبيل فإن شاء فليكفر وإن شاء فليشكر، فإنا قد أعتدنا للكافرين كذا وللشاكرين كذا، كقوله: * (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * (الكهف: 29).
القول الرابع: أن يكونا حالين من السبيل أي عرفناه السبيل، أي إما سبيلا شاكرا، وإما سبيلا كفورا، ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز.