هذه الآيات، وهو كقوله: * (فزادتهم إيمانا) * (التوبة: 124) وكقوله: * (فزادتهم رجسا) * (التوبة: 125) وثالثها: أن المراد من قوله: * (يضل) * ومن قوله: * (يهدي) * حكم الله بكونه ضالا ويكون مهتديا ورابعها: أنه تعالى يضلهم يوم القيامة عن دار الثواب، وهذه الكلمات مع أجوبتها تقدمت في سورة البقرة في قوله: * (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) * (البقرة: 26).
قوله تعالى: * (وما يعلم جنود ربك إلا هو) * فيه وجوه: أحدها: وهو الأولى أن القوم استقبلوا ذلك العدد، فقال تعالى: * (وما يعلم جنود ربك إلا هو) * فهب أن هؤلاء تسعة عشر إلا أن لكل واحد منهم من الأعوان والجنود مالا يعلم عددهم إلا الله وثانيها: وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو، فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين ولكن له في هذا العدد حكمة لا يعلمها الخلق وهو جل جلاله يعلمها وثالثها: أنه لا حاجة بالله سبحانه في تعذيب الكفار والفساق إلى هؤلاء الخزنة، فإنه هو الذي يعذبهم في الحقيقة، وهو الذي يخلق الآلام فيهم، ولو أنه تعالى قلب شعرة في عين ابن آدم أو سلط الألم على عرق واحد من عروق بدنه لكفاه ذلك بلاء ومحنة، فلا يلزم من تقليل عدد الخزنة قلة العذاب، فجنود الله غير متناهية لأن مقدوراته غير متناهية.
قوله تعالى: * (وما هي إلا ذكرى للبشر) * الضمير في قوله: * (وما هي) * إلى ماذا يعود؟ فيه قولان: الأول: أنه عائد إلى سقر، والمعنى وما سقر وصفتها إلا تذكرة للبشر والثاني: أنه عائد إلى هذه الآيات المشتملة على هذه المتشابهات، وهي ذكرى لجميع العالمية، وإن كان المنتفع بها ليس إلا أهل الإيمان.
* (كلا والقمر * واليل إذ أدبر) *.
ثم قال تعالى: * (كلا) * وفيه وجوه أحدها: أنه إنكار بعد أن جعلها ذكرى، أن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون وثانيها: أنه ردع لمن ينكر أن يكون إحدى الكبر نذيرا وثالثها: أنه ردع لقول أبي جهل وأصحابه: إنهم يقدرون على مقاومة خزنة النار ورابعها: أنه ردع لهم عن الاستهزاء بالعدة المخصوصة.
ثم قال تعالى: * (والقمر * والليل إذ أدبر) * وفيه قولان: الأول: قال الفراء والزجاج: دبر وأدبر بمعنى واحد كقبل وأقبل ويدل على هذا قراءة من قرأ إذا دبر، وروى أن مجاهدا سأل ابن عباس عن قوله: * (دبر) * فسكت حتى إذا أدبر الليل قال: يا مجاهد هذا حين دبر الليل، وروى أبو الضحى أن ابن عباس كان يعيب هذه القراءة ويقول: إنما يدبر ظهر البعير، قال الواحدي: والقراءتان عند أهل اللغة سواء على ما ذكرنا، وأنشد أبو علي: