بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غنى حميد * زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير) *.
اعلم أن قوله: * (ألم يأتكم نبؤا الذين كفروا) * خطاب لكفار مكة وذلك إشارة إلى الويل الذي ذاقوه في الدنيا وإلى ما أعد لهم من العذاب في الآخرة. فقوله: * (فذاقوا وبال أمرهم) * أي شدة أمرهم مثل قوله: * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * وقوله: * (ذلك بأنه) * أي بأن الشأن والحديث أنكروا أن يكون الرسول بشرا. ولم ينكروا أن يكون معبودهم حجرا فكفروا وتولوا، وكفروا بالرسل وأعرضوا واستغنى الله عن طاعتهم وعبادتهم من الأزل، وقوله تعالى: * (والله غني حميد) * من جملة ما سبق، والحميد بمعنى المحمود أي المستحق للحمد بذاته ويكون بمعنى الحامد، وقوله تعالى: * (زعم الذين كفروا) * قال في " الكشاف ": الزعيم ادعاء العلم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " زعموا مطية الكذب " وعن شريح لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا، ويتعدى إلى مفعولين، تعدى، العلم، قال الشاعر: ولم أزعمك عن ذلك معزولا (c) والذين كفروا هم أهل مكة * (بلى) * إثبات لما بعد أن وهو البعث وقيل: قوله تعالى: * (قل بلى وربي) * يحتمل أن يكون تعليما للرسول صلى الله عليه وسلم، أي يعلمه القسم تأكيدا لما كان يخبر عن البعث وكذلك جميع القسم في القرآن وقوله تعالى: * (وذلك على الله يسير) * أي لا يصرفه صارف، وقيل: إن أمر البعث على الله يسير، لأنهم أنكروا البعث بعد أن صاروا ترابا، فأخبر أن إعادتهم أهون في العقول من إنشائهم، وفي الآية مباحث.
الأول: قوله: * (فكفروا) * يتضمن قوله: * (وتولوا) * فما الحاجة إلى ذكره؟ نقول: إنهم كفروا وقالوا: * (أبشر يهدوننا) * وهذا في معنى الإنكار والإعراض بالكلية، وذلك هو التولي، فكأنهم كفروا وقالوا قولا يدل على التولي، ولهذا قال: * (فكفروا وتولوا) *.
الثاني: قوله: * (وتولوا واستغنى الله) * يوهم وجود التولي والاستغناء معا، والله تعالى لم يزل غنيا، قال في " الكشاف ": معناه أنه ظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان، ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك.
الثالث: كيف يفيد القسم في إخباره عن البعث وهم قد أنكروا رسالته.
نقول: إنهم