أوتي) * ومن مضمن معنى الجمع.
المسألة الثالثة: قوله: * (ما أسلفتم) * أي قدمتم من أعمالكم الصالحة، ومعنى الإسلاف في اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالإقراض. ومنه يقال: أسلف في كذا إذا قدم فيه ماله، والمعنى بما عملتم من الأعمال الصالحة: والأيام الخالية، المراد منها أيام الدنيا والخالية الماضية، ومنه قوله: * (وقد خلت القرون من قبلي) * و * (تلك أمة قد خلت) * وقال الكلبي: * (بما أسلفتم) * يعني الصوم، وذلك أنهم لما أمروا بالأكل والشرب، دل ذلك على أنه لمن امتنع في الدنيا عنه بالصوم، طاعة لله تعالى.
المسألة الرابعة: قوله: * (بما أسلفتم) * يدل على أنهم إنما استحقوا ذلك الثواب بسبب عملهم، وذلك يدل على أن العمل موجب للثواب، وأيضا لو كانت الطاعات فعلا لله تعالى لكان قد أعطى الإنسان ثوبا لا على فعل فعله الإنسان، وذلك محال وجوابه معلوم.
قوله تعالى * (وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول ياليتنى لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه) *.
واعلم أنه تعالى بين أنه لما نظر في كتابه وتذكر قبائح أفعاله خجل منها وصار العذاب الحاصل من تلك الخجالة أزيد من عذاب النار، فقال: ليتهم عذبوني بالنار، وما عرضوا هذا الكتاب الذي ذكرني قبائح أفعالي حتى لا أقع في هذه الخجالة، وهذا ينبهك على أن العذاب الروحاني أشد من العذاب الجسماني، وقوله: * (ولم أدر ما حسابيه) * أي ولم أدر أي شيء حسابيه، لأنه حاصل ولا طائل له في ذلك الحساب، وإنما كله عليه.
* (يا ليتها كانت القاضية) *.
ثم قال: * (يا ليتها كانت القاضية) * الضمير في * (يا ليتها) * إلى ماذا يعود؟ فيه وجهان الأول: إلى الموتة الأولى، وهي وإن لم تكن مذكورة إلا أنها لظهورها كانت كالمذكورة و * (القاضية) * القاطعة عن الحياة. وفيها إشارة إلى الإنتهاء والفراغ، قال تعالى: * (فإذا قضيت) * (الجمعة: 10) ويقال: قضى على فلان، أي مات فالمعنى يا ليت الموتة التي متها كانت القاطعة لأمري، فلم أبعث بعدها، ولم ألق ما وصلت إليه، قال قتادة: تمني الموت ولم يكن في الدنيا عنده شيء أكره من الموت، وشر من الموت ما يطلب له الموت، قال الشاعر: وشر من الموت الذي إن لقيته * تمنيت منه الموت والموت أعظم والثاني: أنه عائد إلى الحالة التي شاهدها عند مطالعة الكتاب، والمعنى: يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضيت علي لأنه رأى تلك الحالة أبشع وأمر مما ذاقه من مرارة الموت وشدته فتمناه عندها.