المسألة الثالثة: قال ابن عباس: معناه فإذا قرأه جبريل فاتبع قرآنه، وفيه وجهان الأول: قال قتادة: فاتبع حلاله وحرامه والثاني: فاتبع قراءته، أي لا ينبغي أن تكون قراءتك مقارنة لقراءة جبريل، لكن يجب أن تسكت حتى يتم جبريل عليه السلام القراءة، فإذا سكت جبريل فخذ أنت في القراءة، وهذا الوجه أولى لأنه عليه السلام أمر أن يدع القراءة ويستمع من جبريل عليه السلام، حتى إذا فرغ جبريل قرأه، وليس هذا موضع الأمر باتباع ما فيه من الحلال والحرام. قال ابن عباس: فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بعد هذه الآية أطرق واستمع فإذا ذهب قرأه.
قوله تعالى * (ثم إن علينا بيانه) *.
فيه مسألتان:
المسألة الأولى: الآية تدل على أنه عليه السلام كان يقرأ مع قراءة جبريل عليه السلام وكان يسأل في أثناء قراءته مشكلاته، ومعانيه لغاية حرصه على العلم، فنهى النبي عليه السلام عن الأمرين جميعا، أما عن القراءة مع قراءة جبريل فبقوله: * (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) * (القيامة: 18) وأما عن إلقاء الأسئلة في البيان فبقوله: * (ثم إن علينا بيانه) *.
المسألة الثانية: احتج من جوز تأخير البيان عن وقت الخطاب بهذه الآية. وأجاب أبو الحسين عنه من وجهين الأول: أن ظاهر الآية يقتضي وجوب تأخير البيان عن وقت الخطاب وأنتم لا تقولون به الثاني: أن عندنا الواجب أن يقرن باللفظ إشعارا بأنه ليس المراد من اللفظ ما يقتضيه ظاهره، فأما البيان التفصيلي فيجوز تأخيره فتحمل الآية على تأخير البيان التفصيلي، وذكر القفال وجها ثالثا: وهو أن قوله: * (ثم إن علينا بيانه) * أي ثم إنا نخبرك بأن علينا بيانه، ونظيره قوله تعالى: * (فك رقبة) * إلى قوله * (ثم كان من الذين آمنوا) * (البلد: 13 - 17) والجواب عن الأول: أن اللفظ لا يقتضي وجوب تأخير البيان بل يقتضي تأخير وجوب البيان، وعندنا الأمر كذلك لأن وجوب البيان لا يتحقق إلا عند الحاجة وعن الثاني: أن كلمة ثم دخلت مطلق البيان فيتناول البيان المجمل والمفصل، وأما سؤال القفال فضعيف أيضا لأنه ترك للظاهر من غير دليل.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: * (ثم إنا علينا بيانه) * يدل على أن بيان المجمل واجب على الله تعالى أما عندنا فبالوعد والتفضل. وأما عند المعتزلة فبالحكمة.
قوله تعالى * (كلا بل تحبون العاجلة * وتذرون الاخرة) *.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف ": * (كلا) * ردع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن عادة العجلة وحث على الأناة والتؤدة، وقد بالغ في ذلك باتباعه قوله: * (بل تحبون العاجلة) * كأنه قال: بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة