مثلهن في كونها طباقا متلاصقة كما هو المشهور أن الأرض ثلاث طبقات طبقة أرضية محضة وطبقة طينية، وهي غير محضة، وطبقة منكشفة بعضها في البحر وبعضها في البر وهي المعمورة، ولا بعد في قوله: * (ومن الأرض مثلهن) * من كونها سبعة أقاليم على حسب سبع سماوات، وسبع كواكب فيها وهي السيارة فإن لكل واحد من هذه الكواكب خواص تظهر آثار تلك الخواص في كل إقليم من أقاليم الأرض فتصير سبعة بهذا الاعتبار، فهذه هي الوجوه التي لا يأباها العقل، وما عداها من الوجوه المنقولة عن أهل التفسير فذلك من جملة ما يأباها العقل مثل ما يقال: السماوات السبع أولها: موج مكفوف وثانيها: صخر وثالثها: حديد ورابعها: نحاس وخامسها: فضة وسادسها: ذهب وسابعها: ياقوت، وقول من قال: بين كل واحدة منها مسيرة خمسمائة سنة وغلظ كل واحدة منها كذلك، فذلك غير معتبر عند أهل التحقيق، اللهم إلا أن يكون نقل متوتر (ا)، ويمكن أن يكون أكثر من ذلك والله أعلم بأنه ما هو وكيف هو. فقوله: * (الله الذي خلق) * مبتدأ وخبر، وقرئ * (مثلهن) * بالنصب عطفا على * (سبع سماوات) * وبالرفع على الابتداء وخبره * (من الأرض) *.
وقوله تعالى: * (يتنزل الأمر بينهن) * قال عطاء يريد الوحي بينهن إلى خلقه في كل أرض وفي كل سماء، وقال مقاتل: يعني الوحي من السماء العليا إلى الأرض السفلى، وقال مجاهد: * (يتنزل الأمر بينهن) * بحياة بعض وموت بعض وسلامة هذا وهلاك ذاك مثلا وقال قتادة: في كل سماء من سماواته وأرض من أرضه خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه، وقرئ * (ينزل الأمر بينهن) * قوله تعالى: * (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير) * قرىء * (ليعلموا) * بالياء والتاء أي لكي تعلموا إذا تفكرتم في خلق السماوات والأرض، وما جرى من التدبير فيها أن من بلغت قدرته هذا المبلغ الذي لا يمكن أن يكون لغيره كانت قدرته ذاتية لا يعجزه شيء عما أراده وقوله: * (أن الله على كل شيء قدير) * من قبل ما تقدم ذكره * (وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) * يعني بكل شيء من الكليات والجزئيات لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، عالم بجميع الأشياء وقادر على الإنشاء بعد الإفناء، فتبارك الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.