المسألة الثانية: في يتمطى قولان: أحدهما: أن أصله يتمطط أي يتمدد، لأن المتبختر يمد خطاه، فقلبت الطاء فيه ياء، كما قيل: في تقصى أصله تقصص والثاني: من المطا وهو الظهر لأنه يلويه، وفي الحديث: " إذا مشت أمتي المطيطي " أي مشية المتبختر.
المسألة الرابعة: قال أهل العربية: * (لا) * ههنا في موضع لم فقوله: * (فلا صدق ولا صلى) * أي لم يصدق ولم يصل، وهو كقوله: * (فلا اقتحم العقبة) * (البلد: 11) أي لم يقتحم، وكذلك ما روي في الحديث: " أرأيت من لا أكل ولا شرب، ولا استهل " قال الكسائي: لم أر العرب قالت في مثل هذا كلمة وحدها حتى تتبعها بأخرى، إما مصرحا أو مقدرا، أما المصرح فلا يقولون: لا عبد الله خارج حتى يقولون، ولا فلان، ولا يقولون: مررت برجل لا يحسن حتى يقولوا، ولا يجمل، وأما المقدر فهو كقوله: * (فلا اقتحم العقبة) * ثم اعترض الكلام، فقال: * (وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام) * (البلد: 12، 14) وكان التقدير لا فك رقبة، ولا أطعم مسكينا، فاكتفى به مرة واحدة، ومنهم من قال التقدير في قوله: * (فلا اقتحم) * أي أفلا اقتحم، وهلا اقتحم.
* (أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى) *.
قال قتادة والكلبي ومقاتل: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد أبي جهل.
ثم قال: * (أولى لك فأولى) * توعده، فقال أبو جهل: بأي شيء تهددني؟ لا تستطع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، وإني لأعز أهل هذا الوادي، ثم انسل ذاهبا، فأنزل الله تعالى كما قال له الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعنى قوله: * (أولى لك) * بمعنى ويل لك، وهو دعاء عليه، بأن يليه ما يكرهه، قال القاضي: المعنى بعد ذلك، فبعدا (لك) في أمر دنياك، وبعدا لك، في أمر أخراك، وقال آخرون: المعنى الويل لك مرة بعد ذلك، وقال القفال: هذا يحتمل وجوها أحدها: أنه وعيد مبتدأ من الله للكافرين والثاني: أنه شيء قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعدوه فاستنكره عدو الله لعزته عند نفسه، فأنزل الله تعالى مثل ذلك والثالث: أن يكون ذلك أمرا من الله لنبيه، بأن يقولها لعدو الله، فيكون المعنى * (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) * (القيامة: 33) فقل له: يا محمد: * (أولى لك فأولى) * أي احذر، فقد قرب منك مالا قبل لك به من المكروه.
* (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) *.
أي مهملا لا يؤمر، ولا ينهى، ولا يكلف في الدنيا ولا يحاسب بعمله في الآخرة، والسدي في اللغة المهمل يقال: أسديت إبلي إسداء أهملتها. واعلم أنه تعالى لما ذكر في أول السورة، قوله: * (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه) * (القيامة: 3) أعاد في آخر السورة ذلك، وذكر في صحة البعث والقيامة دليلين الأول: قوله: * (أيحسب الإنسان