العظيم، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم! فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديد البطش: أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين! فلما قال أبو جهل وأبو الأشد ذلك، قال المسلمون ويحكم لا تقاس الملائكة بالحدادين! فجرى هذا مثلا في كل شيئين لا يسوى بينهما، والمعنى لا تقاس الملائكة بالسجانين والحداد، السجان الذي يحبس النار، فأنزل الله تعالى: * (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) * واعلم أنه تعالى إنما جعلهم ملائكة لوجوه أحدها: ليكونوا بخلاف جنس المعذبين، لأن الجنسية مظنة الرأفة والرحمة، ولذلك بعث الرسول المبعوث إلينا من جنسنا ليكون له رأفة ورحمة بنا وثانيها: أنهم أبعد الخلق عن معصية الله تعالى وأقواهم على الطاعات الشاقة وثالثها: أن قوتهم أعظم من قوة الجن والإنس، فإن قيل: ثبت في الأخبار، أن الملائكة مخلوقون من النور، والمخلوق من النور كيف يطيق المكث في النار؟ قلنا: مدار القول في إثبات القيامة على كونه تعالى قادرا على كل الممكنات، فكما أنه لا استبعاد في أن يبقى الحي في مثل ذلك العذاب الشديد أبد الآباد ولا يموت، فكذا لا استبعاد في بقاء الملائكة هناك من غير ألم.
ثم قال تعالى: * (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: هذا العدد إنما صار سببا لفتنة الكفار من وجهين الأول: أن الكفار يستهزئون، يقولون: لم لم يكونوا عشرين، وما المقتضى لتخصيص هذا العدد بالوجود؟ الثاني: أن الكفار يقولون هذا العدد القليل كيف يكونون وافين بتعذيب أكثر خلق العالم من الجن والإنس من أول ما خلق الله إلى قيام القيامة؟ وأما أهل الإيمان فلا يلتفتون إلى هذين السؤالين.
أما السؤال الأول: فلأن جملة العالم متناهية، فلا بد وأن يكون للجواهر الفردة التي منها تألفت جملة هذا العالم عدد معين، وعند ذلك يجيء ذلك السؤال، وهو أنه لم خصص ذلك العدد بالإيجاد، ولم يزد على ذلك العدد جوهر آخر ولم ينقص، وكذا القول في إيجاد العالم، فإنه لما كان العالم محدثا والإله قديما، فقد تأخر العالم عن الصانع بتقدير مدة غير متناهية، فلم لم يحدث