وانتهاءها هو السواد، فإن الأبيض يقبل كل لون والأسود لا يقبل شيئا من الألوان، ولهذا يطلق الكافر على الأسود ولا يطلق على لون آخر، ولما كانت الخالية عن الزرع متصفة بالبياض واللاخالية بالسواد فهذا يدل على أنهما تحت الأوليين مكانا، فهم إذا نظروا إلى ما فوقهم، يرون الأفنان تظلهم، وإذا نظروا إلى ما تحتهم يرون الأرض مخضرة، وقوله تعالى: * (فيهما عينان نضاختان) * أي فائرتان ماؤهما متحرك إلى جهة فوق، وأما العينان المتقدمتان فتجريان إلى صوب المؤمنين فكلاهما حركتهما إلى جهة مكان أهل الإيمان، وأما قول صاحب الكشاف: النضخ دون الجري فغير لازم لجواز أن يكون الجري يسيرا والنضخ قويا كثيرا، بل المراد أن النضخ فيه الحركة إلى جهة العلو، والعينان في مكان المؤمنين، فحركة الماء تكون إلى جهتهم، فالعينان الأوليان في مكانهم فتكون حركة مائهما إلى صوب المؤمنين جريا.
وأما قوله تعالى:
* (فيهما فاكهة ونخل ورمان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
فهو كقوله تعالى: * (فيهما من كل فاكهة زوجان) * (الرحمن: 52) وذلك لأن الفاكهة أرضية نحوه البطيخ وغيره من الأرضيات المزروعات وشجرية نحو النخل وغيره من الشجريات فقال: * (مدهامتان) * (الرحمن: 64) بأنواع الخضر التي منها الفواكه الأرضية وفيهما أيضا الفواكه الشجرية وذكر منها نوعين وهما الرمان والرطب لأنهما متقابلان فأحدهما حلو والآخر غير حلو وكذلك أحدهما حار والآخر بارد وأحدهما فاكهة وغذاء، والآخر فاكهة، وأحدهما من فواكه البلاد الحارة والآخر من فواكه البلاد الباردة، وأحدهما أشجاره في غاية الطول والآخر أشجاره بالضد وأحدهما ما يؤكل منه بارز ومالا يؤكل كامن، والآخر بالعكس فهما كالضدين والإشارة إلى الطرفين تتناول الإشارة إلى ما بينهما، كما قال: * (رب المشرقين ورب المغربين) * وقدمنا ذلك.
ثم قال تعالى:
* (فيهن خيرات حسان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان) * أي في باطنهن الخير وفي ظاهرهن الحسن والخيرات جمع خيرة وقد بينا أن في قوله تعالى: * (قاصرات الطرف) * إلى أن قال: * (كأنهن) * (الرحمن: 56 - 58) إشارة إلى كونهن حسانا.
وقوله تعالى: * (حور مقصورات فى الخيام * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * لم يطمثهن إنس قبلهم