الثالث: قال تعالى: * (بما أخفيتم وما أعلنتم) * ولم يقل: بما أسررتم وما أعلنتم، مع أنه أليق بما سبق وهو * (تسرون) *، فنقول فيه من المبالغة ما ليس في ذلك، فإن الإخفاء أبلغ من الإسرار، دل عليه قوله: * (يعلم السر وأخفى) * (طه: 7) أي أخفى من السر.
الرابع: قال: * (بما أخفيتم) * قدم العلم بالإخفاء على الإعلان، مع أن ذلك مستلزم لهذا من غير عكس. هذا بالنسبة إلى علمنا، لا بالنسبة إلى علمه تعالى، إذ هما سيان في علمه كما مر، ولأن المقصود هو بيان ما هو الأخفى وهو الكفر، فيكون مقدما.
الخامس: قال تعالى: * (ومن يفعله منكم) * ما الفائدة في قوله: * (منكم) * ومن المعلوم أن من فعل هذا الفعل * (فقد ضل سواء السبيل) * نقول: إذا كان المراد من * (منكم) * من المؤمنين فظاهر، لأن من يفعل ذلك الفعل لا يلزم أن يكون مؤمنا.
ثم إنه أخبر المؤمنين بعداوة كفار أهل مكة فقال:
* (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعدآء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون * لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير) *.
* (يثقفوكم) * يظفروا بكم ويتمكنوا منكم * (يكونوا لكم) * في غاية العداوة، وهو قول ابن عباس، وقال مقاتل: يظهروا عليكم يصادقوكم * (ويبسطوا إليكم أيديهم) * بالضرب * (وألسنتهم) * بالشتم * (وودوا) * أن ترجعوا إلى دينهم، والمعنى أن أعداء الله لا يخلصون المودة لأولياء الله لما بينهم من المباينة * (لن تنفعكم أرحامكم) * لما عوتب حاطب على ما فعل اعتذر بأن له أرحاما، وهي القرابات، والأولاد فيما بينهم، وليس له هناك من يمنع عشيرته، فأراد أن يتخذ عندهم يدا ليحسنوا إلى من خلفهم بمكة من عشيرته، فقال: * (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم) * الذين توالون الكفار من أجلهم، وتتقربون إليهم مخافة عليهم، ثم قال: * (يوم القيامة يفصل بينكم) * وبين أقاربكم وأولادكم فيدخل أهل الإيمان الجنة، وأهل الكفر النار * (والله بما تعملون بصير) * أي بما عمل حاطب، ثم في الآية مباحث: الأول: ما قاله صاحب الكشاف: * (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء) * كيف يورد جواب الشرط مضارعا مثله، ثم قال: * (وودوا) * بلفظ الماضي نقول: الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب فإن فيه نكتة، كأنه قيل: وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم.