وتارة: * (عربا أترابا) * (الرحمن: 56) وتارة: * (قاصرات الطرف) * (الرحمن: 56) ولم يذكر نساء كذا وكذا لوجهين أحدهما: الإشارة إلى تنحدرهن وتسترهن، فلم يذكرهن باسم الجنس لأن اسم الجنس يكشف من الحقيقة مالا يكشفه الوصف فإنك إذا قلت المتحرك المريد الآكل الشارب لا تكون بينته بالأوصاف الكثيرة أكثر مما بينته بقولك: حيوان وإنسان وثانيهما: إعظاما لهن ليزداد حسنهن في أعين الموعودين بالجنة فإن بنات الملوك لا يذكرن إلا بالأوصاف.
المسألة الرابعة: * (قاصرات الطرف) * من القصر وهو المنع أي المانعات أعينهن من النظر إلى الغير، أو من القصور، وهو كون أعينهن قاصرة لا طماح فيها للغير، أقول والظاهر أنه من القصر إذ القصر مدح والقصور ليس كذلك، ويحتمل أن يقال: هو من القصر بمعنى أنهن قصرن أبصارهن، فأبصارهن مقصورة وهن قاصرات فيكون من إضافة الفاعل إلى المفعول والدليل عليه هو أن القصر مدح والقصور ليس كذلك، وعلى هذا ففيه لطيفة وهي أنه تعالى قال من بعد هذه: * (حور مقصورات) * (الرحمن: 72) فهن مقصورات وهن قاصرات، وفيه وجهان أحدهما: أن يقال: هن قاصرات أبصارهن كما يكون شغل العفائف، وهن قاصرات أنفسهن في الخيام كما هو عادة المخدرات لأنفسهن في الخيام ولأبصارهن عن الطماح وثانيهما: أن يكون ذلك بيانا لعظمتهن وعفافهن وذلك لأن المرأة التي لا يكون لها رادع من نفسها ولا يكون لها أولياء يكون فيها نوع هوان، وإذا كان لها أولياء أعزة امتنعت عن الخروج والبروز، وذلك يدل على عظمتهن، وإذا كن في أنفسهن عند الخروج لا ينظرن يمنة ويسرة فهن في أنفسهن عفائف، فجمع بين الإشارة إلى عظمتهن بقوله تعالى: * (مقصورات) * منعهن أولياؤهن وههنا وليهن الله تعالى، وبين الإشارة إلى عفتهن بقوله تعالى: * (قاصرات الطرف) * ثم تمام اللطف أنه تعالى قدم ذكر ما يدل على العفة على ما يدل على العظمة وذكر في أعلى الجنتين قاصرات وفي أدناهما مقصورات، والذي يدل على أن المقصورات يدل على العظمة أنهن يوصفن بالمخدرات لا بالمتخدرات، إشارة إلى أنهن خدرهن خادر لهن غيرهن كالذي يضرب الخيام ويدلي الستر، بخلاف من تتخذه لنفسها وتغلق بابها بيدها، وسنذكر بيانه في تفسير الآية بعد.
المسألة الخامسة: * (قاصرات الطرف) * فيها دلالة عفتهن، وعلى حسن المؤمنين في أعينهن، فيجبن أزواجهن حبا بشغلهن عن النظر إلى غيرهم، ويدل أيضا على الحياء لأن الطرف حركة الجفن، والحورية لا تحرك جفنها ولا ترفع رأسها.
المسألة السادسة: * (لم يطمثهن) * فيه وجوه أحدها: لم يفرعهن ثانيها: لم يجامعهن ثالثها: لم يمسسهن، وهو أقرب إلى حالهن وأليق بوصف كمالهن، لكن لفظ الطمث غير ظاهر فيه ولو كان المراد منه المس لذكر اللفظ الذي يستحسن، وكيف وقد قال تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * (البقرة: 237) وقال: * (فاعتزلوا) * (البقرة: 222) ولم يصرح بلفظ موضوع للوطء، فإن قيل: فما ذكرتم من