أي ثلاث عشرات فالمعشر كأنه محل العشر الذي هو الكثرة الكاملة.
المسألة الثالثة: هذا الخطاب في الدنيا أو في الآخرة؟ نقول: الظاهر فيه أنه في الآخرة، فإن الجن والإنس يريدون الفرار من العذاب فيجدون سبعة صفوف من الملائكة محيطين بأقطار السماوات والأرض، والأولى ما ذكرنا أنه عام بمعنى لا مهرب ولا مخرج لكم عن ملك الله تعالى، وأينما توليتم فثم ملك الله، وأينما تكونوا أتاكم حكم الله.
المسألة الرابعة: ما الحكمة في تقديم الجن على الإنس ههنا وتقديم الإنس على الجن في قوله تعالى: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) *؟ (الإسراء: 88) نقول: النفوذ من أقطار السماوات والأرض بالجن أليق إن أمكن، والإتيان بمثل القرآن بالإنس أليق إن أمكن، فقدم في كل موضع من يظن به القدرة على ذلك.
المسألة الخامسة: ما معنى: * (لا تنفذون إلا بسلطان) *؟ نقول: ذلك يحتمل وجوها أحدها: أن يكون بيانا بخلاف ما تقدم أي ما تنفذون ولا تنفذون إلا بقوة وليس لكم قوة على ذلك. ثانيها: أن يكون على تقدير وقوع الأمر الأول، وبيان أن ذلك لا ينفعكم، وتقديره ما تنفذوا وإن نفذتم ما تنفذون إلا ومعكم سلطان الله، كما يقول: خرج القوم بأهلهم أي معهم ثالثها: أن المراد من النفوذ ما هو المقصود منه؟ وذلك لأن نفوذهم إشارة إلى طلب خلاصهم فقال: لا تنفذون من أقطار السماوات لا تتخلصون من العذاب ولا تجدون ما تطلبون من النفوذ وهو الخلاص من العذاب إلا بسلطان من الله يجيركم وإلا فلا مجير لكم، كما تقول: لا ينفعك البكاء إلا إذا صدقت وتريد به أن الصدق وحده ينفعك، لا أنك إن صدقت فينفعك البكاء رابعها: أن هذا إشارة إلى تقرير التوحيد، ووجهه هو كأنه تعالى قال: يا أيها الغافل لا يمكنك أن تخرج بذهنك عن أقطار السماوات والأرض فإذا أنت أبدا تشاهد دليلا من دلائل الوحدانية، ثم هب أنك تنفذ من أقطار السماوات والأرض، فاعلم أنك لا تنفذ إلا بسلطان تجده خارج السماوات والأرض قاطع دال على وحدانيته تعالى والسلطان هو القوة الكاملة.
ثم قال تعالى:
* (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران * فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ما وجه تعلق الآية بما قبلها؟ نقول: إن قلنا يا معشر الجن والإنس نداء ينادي به يوم القيامة، فكأنه تعالى قال: يوم يرسل عليكما شواظ من نار فلا يبقى لكما انتصار