الحسن في عمله في الدنيا إلا أن يثبت الله الحسن فيه وفي أحواله في الدارين وبالعكس هل جزاء من أثبت الحسن فينا وفي صورنا وأحوالنا إلا أن نثبت الحسن فيه أيضا، لكن إثبات الحسن في الله تعالى محال، فإثبات الحسن أيضا في أنفسنا وأفعالنا فنحسن أنفسنا بعبادة حضرة الله تعالى، وأفعالنا بالتوجه إليه وأحوال باطننا بمعرفته تعالى، وإلى هذا رجعت الإشارة، وورد في الأخبار من حسن وجوه المؤمنين وقبح وجوه الكافرين وأما الوجه الثالث: وهو الحمل على المعنيين فهو أن تقول: على جزاء من أتى بالفعل الحسن إلا أن يثبت الله فيه الحسن، وفي جميع أحواله فيجعل وجهه حسنا وحاله حسنا، ثم فيه لطائف:
اللطيفة الأولى: هذه إشارة إلى رفع التكليف عن العوام في الآخرة، وتوجيه التكليف على الخواص فيها أما الأول: فلأنه تعالى لما قال: * (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) * والمؤمن لا شك في أنه يثاب بالجنة فيكون له من الله الإحسان جزاء له ومن جازى عبدا على عمله لا يأمره بشكره، ولأن التكليف لو بقي في الآخرة فلو ترك العبد القيام بالتكليف لاستحق العقاب، والعقاب ترك الإحسان لأن العبد لما عبد الله في الدنيا ما دام وبقي يليق بكرمه تعالى أن يحسن إليه في الآخرة ما دام وبقي، فلا عقاب على تركه بلا تكليف وأما الثاني فنقول: خاصة الله تعالى عبدنا الله تعالى في الدنيا لنعم قد سبقت له علينا، فهذا الذي أعطانا الله تعالى ابتداء نعمة وإحسان جديد فله علينا شكره، فيقولون الحمد لله، ويذكرون الله ويثنون عليه فيكون نفس الإحسان من الله تعالى في حقهم سببا لقيامهم بشكره، فيعرضون هم على أنفسهم عبادته تعالى فيكون لهم بأدنى عبادة شغل شاغل عن الحور والقصور والأكل والشرب فلا يأكلون ولا يشربون ولا يتنابذون ولا يلعبون فيكون حالهم كحال الملائكة في يومنا هذا لا يتناكحون ولا يلعبون، فلا يكون ذلك تكليفا مثل هذه التكاليف الشاقة، وإنما يكون ذلك لذة زائدة على كل لذة في غيرها.
اللطيفة الثانية: هذه الآية تدل على أن العبد محكم في الآخرة كما قال تعالى: * (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) * (يس: 57) وذلك لأنا بينا أن الإحسان هو الإتيان بما هو حسن عند من أتى بالإحسان، لكن الله لما طلب منا العبادة طلب كما أراد، فأتى به المؤمن كما طلب منه، فصار محسنا فهذا يقتضي أن يحسن الله إلى عبده ويأتي بما هو حسن عنده، وهو ما يطلبه كما يريد فكأنه قال: * (هل جزاء الإحسان) * أي هل جزاء من أتى بما طلبته منه على حسب إرادتي إلا أن يؤتى بما طلبه مني على حسب إرادته، لكن الإرادة متعلقة بالرؤية، فيجب بحكم الوعد أن تكون هذه آية دالة على الرؤية البلكفية.
اللطيفة الثالثة: هذه الآية تدل على أن كل ما يفرضه الإنسان من أنواع الإحسان من الله تعالى فهو دون الإحسان الذي وعد الله تعالى به لأن الكريم إذا قال للفقير: افعل كذا ولك كذا دينارا، وقال لغيره افعل كذا على أن أحسن إليك يكون رجاء من لم يعين له أجرا أكثر من