رجاء من عين له، هذا إذا كان الكريم في غاية الكرم ونهاية الغنى، إذا ثبت هذا فالله تعالى قال: جزاء من أحسن إلى أن أحسن إليه بما يغبط به، وأوصل إليه فوق ما يشتهيه فالذي يعطي الله فوق ما يرجوه وذلك على وفق كرمه وإفضاله.
ثم قال تعالى:
* (ومن دونهما جنتان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * مدهآمتان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * فيهما عينان نضاختان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
لما ذكر الجزاء ذكر بعده مثله وهو جنتان أخريان، وهذا كقوله تعالى: * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * (يونس: 26) وفي قوله تعالى: * (دونهما) * وجهان أحدهما: دونهما في الشرف، وهو ما اختاره صاحب الكشاف وقال قوله: * (مدهامتان) * مع قوله في الأوليين: * (ذواتا أفنان) * (الرحمن: 48) وقوله في هذه: * (عينان نضاختان) * مع قوله في الأوليين: * (عينان تجريان) * (الرحمن: 50) لأن النضخ دون الجري، وقوله في الأولين: * (من كل فاكهة زوجان) * (الرحمن: 52) مع قوله في هاتين: * (فاكهة ونخل ورمان) * (الرحمن: 68) وقوله في الأوليين: * (فرش بطائنها من استبرق) * حيث ترك ذكر الظهائر لعلوها ورفعتها وعدم إدراك العقول إياها مع قوله في هاتين: * (رفرف خضر) * (الرحمن: 76) دليل عليه، ولقائل أن يقول: هذا ضعيف لأن عطايا الله في الآخرة متتابعة لا يعطي شيئا بعد شيء إلا ويظن الظان أنه ذلك أو خير منه. ويمكن أن يجاب عنه تقريرا لما اختاره الزمخشري أن الجنتين اللتين دون الأولين لذريتهم اللذين ألحقهم الله بهم ولأتباعهم، ولكنه إنما جعلهما لهم إنعاما عليهم، أي هاتان الأخريان لكم أسكنوا فيهما من تريدون الثاني: أن المراد دونهما في المكان كأنهم في جنتين ويطلعوا من فوق على جنتين أخريين دونهما، ويدل عليه قوله تعالى * (لهم غرف من فوقها غرف) * (الزمر: 20) الآية. والغرف العالية عندها أفنان، والغرف التي دونها أرضها مخضرة، وعلى هذا ففي الآيات لطائف:
الأولى: قال في الأوليين: * (ذواتا أفنان) * وقال في هاتين: * (مدهامتان) * أي مخضرتان في غاية الخضرة، وإدهام الشيء أي اسواد لكن لا يستعمل في بعض الأشياء والأرض إذا اخضرت غاية الخضرة تضرب إلى أسود، ويحتمل أن يقال: الأرض الخالية عن الزرع يقال لها: بياض أرض وإذا كانت معمورة يقال لها: سواد أرض كما يقال: سواد البلد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالسواد الأعظم ومن كثر سواد قوم فهو منهم " والتحقيق فيه أن ابتداء الألوان هو البياض