الحمل فيثقل هناك فلا يمكنه الدخول في العذب ثالثها: أن ما ذكرتم إنما كان يرد أن لو قال: يخرج من كل واحد منهما فأما على قوله: * (يخرج منهما) * لا يرد إذ الخارج من أحدهما مع أن أحدهما مبهم خارج منهما كما قال تعالى: * (وجعل القمر فيهن نورا) * (نوح: 16) يقال: فلان خرج من بلاد كذا ودخل في بلاد كذا ولم يخرج إلا من موضع من بيت من محلة في بلدة رابعها: أن (من) ليست لابتداء شيء كما يقال: خرجت الكوفة بل لابتداء عقلي كما يقال: خلق آدم من تراب ووجدت الروح من أمر الله فكذلك اللؤلؤ يخرج من الماء أي منه يتولد.
المسألة الثالثة: أي نعمة عظيمة في اللؤلؤ والمرجان حتى يذكرهما الله مع نعمة تعلم القرآن وخلق الإنسان؟ وفي الجواب قولان: الأول: أن نقول: النعم منها خلق الضروريات كالأرض التي هي مكاننا ولولا الأرض لما أمكن وجود التمكين وكذلك الرزق الذي به البقاء ومنها خلق المحتاج إليه وإن لم يكن ضروريا كأنواع الحبوب وإجراء الشمس والقمر، ومنها النافع وإن لم يكن محتاجا إليه كأنواع الفواكه وخلق البحار من ذلك، كما قال تعالى: * (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) * (البقرة: 164) ومنها الزينة وإن لم يكن نافعا كاللؤلؤ والمرجان كما قال تعالى: * (وتستخرجون حلية تلبسونها) * (فاطر: 12) فالله تعالى ذكر أنواع النعم الأربعة التي تتعلق بالقوى الجسمانية وصدرها بالقوة العظيمة التي هي الروح وهي العلم بقوله: * (علم القرآن) * (الرحمن: 2) والثاني: أن نقول: هذه بيان عجائب الله تعالى لا بيان النعم، والنعم قد تقدم ذكرها هنا، وذلك لأن خلق الإنسان من صلصال، وخلق الجان من نار، من باب العجائب لا من باب النعم، ولو خلق الله الإنسان من أي شيء خلقه لكان إنعاما، إذا عرفت هذا فنقول: الأركان أربعة، التراب والماء والهواء والنار فالله تعالى بين بقوله: * (خلق الإنسان من صلصال) * (الرحمن: 14) أن الإنسان خلقه من تراب وطين وبين بقوله: * (خلق الجان من مارج من نار) * (الرحمن: 15) أن النار أيضا أصل لمخلوق عجيب، وبين بقوله: * (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) * أن الماء أصل لمخلوق آخر، كالحيوان عجيب، بقي الهواء لكنه غير محسوس، فلم يذكر أنه أصل مخلوق بل بين كونه منشأ للجواري في البحر كالأعلام. فقال:
* (وله الجوار المنشئات فى البحر كالاعلام * فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ما الفائدة في جعل الجواري خاصة له وله السماوات وما فيها والأرض وما عليها؟ نقول: هذا الكلام مع العوام، فذكر مالا يغفل عنه من له أدنى عقل فضلا عن الفاضل الذكي، فقال: لا شك أن الفلك في البحر لا يملكه في الحقيقة أحد إذ لا تصرف لأحد في هذا الفلك وإنما كلهم منتظرون رحمة الله تعالى معترفون بأن أموالهم وأرواحهم في قبضة قدرة الله تعالى وهم في ذلك يقولون لك: الفلك ولك الملك وينسبون البحر والفلك إليه، ثم إذا خرجوا ونظروا إلى