فهذا إشارة إلى أن كل من انقطع عن الخلق ما يتركه الله تعالى ضائعا وثانيها: أن العدد الفرد أشرف من الزوج، لأن الله وتر يحب الوتر، فخص الأعداد الفرد بالذكر تنبيها على أنه لا بد من رعاية الأمور الإلهية في جميع الأمور وثالثها: أن أقل مالا بد منه في المشاورة التي يكون الغرض منها تمهيد مصلحة ثلاثة، حتى يكون الاثنان كالمتنازعين في النفي والإثبات، والثالث كالمتوسط الحاكم بينهما، فحينئذ تكمل تلك المشورة ويتم ذلك الغرض، وهكذا في كل جمع اجتمعوا للمشاورة، فلا بد فيهم من واحد يكون حكما مقبول القول، فلهذا السبب لا بد وأن تكون أرباب المشاورة عددهم فردا، فذكر سبحانه الفردين الأولين واكتفى بذكرهما تنبيها على الباقي ورابعها: أن الآية نزلت في قوم من المنافقين، اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين، وكانوا على هذين العددين، قال ابن عباس نزلت هذه الآية في ربيعة وحبيب ابني عمرو، وصفوان بن أمية، كانوا يوما يتحدثون، فقال أحدهم: هل يعلم الله ما تقول؟ وقال الثاني: يعلم البعض دون البعض، وقال الثالث: إن كان يعلم البعض فيعلم الكل وخامسها: أن في مصحف عبد الله: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا الله رابعهم، ولا أربعة إلا الله خامسهم، ولا خمسة إلا الله سادسهم، ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا أخذوا في التناجي). المسألة السابعة: قرىء: * (ولا أدنى من ذلك ولا أكثر) * بالنصب على أن لا لنفي الجنس، ويجوز أن يكون * (ولا أكثر) * بالرفع معطوفا على محل (لا) مع (أدنى)، كقولك: لا حول ولا قوة إلا بالله، بفتح الحول ورفع القوة والثالث: يجوز أن يكونا مرفوعين على الابتداء، كقولك: لا حول ولا قوة إلا بالله والرابع: أن يكون ارتفاعهما عطفا على محل * (من نجوى) * كأنه قيل: ما يكون أدنى ولا أكثر إلا هو معهم، والخامس: يجوز أن يكونا مجرورين عطفا على * (نجوى) * كأنه قيل: ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم.
المسألة الثامنة: قرىء: * (ولا أكبر) * بالباء المنقطعة من تحت.
المسألة التاسعة: المراد من كونه تعالى رابعا لهم، والمراد من كونه تعالى معهم كونه تعالى عالما بكلامهم وضميرهم وسرهم وعلنهم، وكأنه تعالى حاضر معهم ومشاهد لهم، وقد تعالى عن المكان والمشاهدة.
المسألة العاشرة: قرأ بعضهم: * (ثم ينبئهم) * بسكون النون، وأنبأ ونبأ واحد في المعنى، وقوله: * (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة) * أي يحاسب على ذلك ويجازي على قدر الاستحقاق، ثم قال: * (إن الله بكل شيء عليم) * وهو تحذير من المعاصي وترغيب في الطاعات.
* (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جآءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون فى أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) *.
ثم إنه تعالى بين حال أولئك الذين نهوا عن النجوى فقال: * (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم