هي سبب لحزن المؤمنين، وذلك لأن المؤمنين إذا رأوهم متناجين، قالوا: ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا إلى الغزوات أنهم قتلوا وهزموا، ويقع ذلك في قلوبهم ويحزنون له. ثم قال تعالى: * (وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله) * وفيه وجهان: أحدهما: ليس يضر التناجي بالمؤمنين شيئا والثاني: الشيطان ليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله، وقوله: * (إلا بإذن الله) * فقيل: بعلمه وقيل: بخلقه، وتقديره للأمراض وأحوال القلب من الحزن والفرح، وقيل: بأن يبين كيفية مناجاة الكفار حتى يزول الغم.
ثم قال: * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * فإن من توكل عليه لا يخيب أمله ولا يبطل سعيه.
* (يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا فى المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير) *.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما نهى عباده المؤمنين عما يكون سببا للتباغض والتنافر، أمرهم الآن بما يصير سببا لزيادة المحبة والمودة، وقوله: * (تفسحوا في المجالس) * توسعوا فيه وليفسح بعضكم عن بعض، من قولهم: افسح عني، أي تنح، ولا تتضاموا، يقال: بلدة فسيحة، ومفازة فسيحة، ولك فيه فسحة، أي سعة.
المسألة الثانية: قرأ الحسن وداود بن أبي هند: (تفاسحوا)، قال ابن جني: هذا لائق بالغرض لأنه إذا قيل: (تفسحوا)، فمعناه ليكن هناك تفسح، وأما التفاسح فتفاعل، والمراد ههنا المفاعلة، فإنها تكون لما فوق الواحد كالمقاسمة والمكايلة، وقرئ: * (في المجلس) * قال الواحدي: والوجه التوحيد لأن المراد مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وهو واحد، ووجه الجمع أن يجعل لكل جالس مجلس على حدة، أي موضع جلوس.
المسألة الثالثة: ذكروا في الآية أقوالا: الأول: أن المراد مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتضامون فيه تنافسا على القرب منه، وحرصا على استماع كلامه، وعلى هذا القول ذكروا في سبب النزول وجوها الأول: قال مقاتل بن حيان: كان عليه السلام يوم الجمعة في الصفة، وفي المكان ضيق، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس من أهل بدر، وقد سبقوا إلى المجلس، فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون أن يوسع لهم، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملهم على القيام وشق ذلك على الرسول، فقال لمن حوله من غير أهل بدر: قم يا فلان، قم يا فلان، فلم يزل يقيم بعدة النفر الذين هم قيام بين يديه، وشق ذلك على من أقيم