سورة القمر خمسون وخمس آيات مكية بسم الله الرحمن الرحيم * (اقتربت الساعة وانشق القمر) *.
أول السورة مناسب لآخر ما قبلها، وهو قوله: * (أزفت الآزفة) * (النجم: 57) فكأنه أعاد ذلك مع الدليل، وقال قلت: * (أزفت الآزفة) * وهو حق، إذ القمر انشق، والمفسرون بأسرهم على أن المراد أن القمر انشق، وحصل فيه الانشقاق، ودلت الأخبار على حديث الانشقاق، وفي الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة، وقالوا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الانشقاق بعينها معجزة، فسأل ربه فشقه ومضى، وقال بعض الفسرين المراد سينشق، وهو بعيد ولا معنى له، لأن من منع ذلك وهو الفلسفي يمنعه في الماضي والمستقبل، ومن يجوزه لا حاجة إلى التأويل، وإنما ذهب إليه ذلك الذاهب، لأن الانشقاق أمر هائل، فلو وقع لعم وجه الأرض فكان ينبغي أن يبلغ حد التواتر، نقول: النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يتحدى بالقرآن، وكانوا يقولون: إنا نأتي بأفصح ما يكون من الكلام، وعجزوا عنه، فكان القرآن معجزة باقية إلى قيام القيامة لا يتمسك بمعجزة أخرى فلم ينقله العلماء بحيث يبلغ حد التواتر. وأما المؤرخون فتركوه، لأن التواريخ في أكثر الأمر يستعملها المنجم، وهو لما وقع الأمر قالوا: بأنه مثل خسوف القمر، وظهور شيء في الجو على شكل نصف القمر في موضع آخر فتركوا حكايته في تواريخهم، والقرآن أدل دليل وأقوى مثبت له، وإمكانه لا يشك فيه، وقد أخبر عنه الصادق فيجب اعتقاد وقوعه، وحديث امتناع الخرق والالتئام حديث اللئام، وقد ثبت جواز الخرق والتخريب على السماوات، وذكرناه مرارا فلا نعيده.
وقوله تعالى:
* (وإن يروا ءاية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) *.
تقديره: وبعد هذا إن يروا آية يقولوا سحر، فإنهم رأوا آيات أرضية، وآيات سماوية، ولم يؤمنوا، ولم يتركوا عنادهم، فإن يروا ما يرون بعد هذا لا يؤمنون، وفيه وجه آخر وهو أن يقال: المعنى أن عادتهم أنهم إن يروا آية يعرضوا، فلما رأوا انشقاق القمر أعرضوا لتلك العادة، وفيه مسائل: الأولى: قوله: * (آية) * ماذا؟ نقول آية اقتراب الساعة، فإن انشقاق القمر من آياته، وقد