لكن لا يزيد في حمله وحبسه وزيادته في التعذيب عند القدرة، فهذا ترتيب في غاية الحسن.
المسألة الثانية: * (جميع) * فيه فائدتان إحداهما الكثرة والأخرى الاتفاق، كأنه قال: نحن كثير متفقون فلنا الانتصار ولا يقوم غير هذه اللفظة مقامها من الألفاظ المفردة، إنما قلنا: إن فيه فائدتين لأن الجمع يدل على الجماعة بحروفه الأصلية من ج م ع وبوزنه وهو فعيل بمعنى مفعول على أنهم جمعوا جمعيتهم العصبية، ويحتمل أن يقال: معناه نحن الكل لا خارج عنا إشارة إلى أن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم لا اعتداد به قال تعالى في نوح: * (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) * (الشعراء: 111) * (إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) * (هود: 27) وعلى هذا * (جميع) * يكون التنوين فيه لقطع الإضافة كأنهم قالوا: نحن جمع الناس.
المسألة الثالثة: ما وجه إفراد المنتصر مع أن نحن ضمير الجمع؟ نقول: على الوجه الأول ظاهر لأنه وصف الجزء الآخر الواقع خبرا فهو كقول القائل: أنتم جنس منتصر وهم عسكر غالب والجميع كالجنس لفظه لفظ واحد، ومعناه جمع فيه الكثرة، وأما على الوجه الثاني فالجواب عنه من وجهين أحدهما: أن المعنى وإن كان جميع الناس لا خارج عنهم إلا من لا يعتد به، لكن لما قطع ونون صار كالمنكر في الأصل فجاز وصفه بالمنكر نظرا إلى اللفظ فعاد إلى الوجه الأول وثانيهما: أنه خبر بعد خبر، ويجوز أن يكون أحد الخبرين معرفة والآخرين نكرة، قال تعالى: * (وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعال لما يريد) * (البروج: 14 - 16) وعلى هذا فقوله: * (نحن جميع منتصر) * أفرده لمجاورته * (جميع) *، ويحتمل أن يقال معنى: * (نجن جميع منتصر) * أن جميعا بمعنى كل واحد كأنه قال: نحن كل واحد منا منتصر، كما تقول: هم جميعهم أقوياء بمعنى أن كل واحد منهم قوي، وهم كلهم علماء أي كل واحد عالم فترك الجمع واختار الإفراد لعود الخبر إلى كل واحد فإنهم كانوا يقولون: كل واحد منا يغلب محمدا صلى الله عليه وسلم كما قال أبي بن خلف الجمحي وهذا فيه معنى لطيف وهو أنهم ادعوا أن كل واحد غالب، والله رد عليهم بأجمعهم بقوله:
* (سيهزم الجمع ويولون الدبر) *.
وهو أنهم ادعوا القوة العامة بحيث يغلب كل واحد منهم محمدا صلى الله عليه وسلم والله تعالى بين ضعفهم الظاهر الذي يعمهم جميعهم بقوله: * (ويولون الدبر) * وحينئذ يظهر سؤال وهو أنه قال: * (يولون الدبر) * ولم يقل: يولون الأدبار. وقال في موضع آخر: * (يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون) * (آل عمران: 111) وقال: * (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار) * (الأحزاب: 15) وقال في موضع آخر: * (فلا تولوهم الأدبار) * فكيف تصحيح الإفراد وما الفرق بين المواضع؟ نقول: أما التصحيح فظاهر لأن قول القائل: فعلوا كقوله فعل هذا وفعل ذاك وفعل الآخر. قالوا: وفي الجمع تنوب مناب الواوات التي في العطف، وقوله: * (يولون) * بمثابة يول هذا