ثم قال تعالى:
* (فى مقعد صدق عند مليك مقتدر) *.
فيه مسائل:
المسألة الأولى: * (في مقعد صدق) *، كيف مخرجه؟ نقول: يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون على صورة بدل كما يقول القائل: فلان في بلدة كذا في دار كذا وعلى هذا يكون مقعد من جملة الجنات موضعا مختارا له مزية على ما في الجنات من المواضع وعلى هذا قوله: * (عند مليك) * لأنا بينا في أحد الوجوه أن المراد من قوله: * (في جنات ونهر) * (القمر: 54) في جنات عند نهر فقال: * (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) * ويحتمل أن يقال: * (عند مليك) * صفة مقعد صدق تقول درهم في ذمة ملئ خير من دينار في ذمة معسر، وقليل عند أمين أفضل من كثير عند خائن فيكون صفة وإلا لما حسن جعله مبتدأ ثانيهما: أن يكون: * (في مقعد صدق) * كالصفة لجنات ونهر أي في جنات ونهر موصوفين بأنهما في مقعد صدق، تقول: وقفة في سبيل الله أفضل من كذا و: * (عند مليك) * صفة بعد صفة.
المسألة الثانية: قوله: * (في مقعد صدق) * يدل على لبث لا يدل عليه المجلس، وذلك لأن قعد وجلس ليسا على ما يظن أنهما بمعنى واحد لا فرق بينهما بل بينهما فرق ولكن لا يظهر إلا للبارع، والفرق هو أن القعود جلوس فيه مكث حقيقة واقتضاء، ويدل عليه وجوه الأول: هو أن الزمن يسمى مقعدا ولا يسمى مجلسا لطول المكث حقيقة ومنه سمي قواعد البيت والقواعد من النساء قواعد ولا يقال لهن: جوالس لعدم دلالة الجلوس على المكث الطويل فذكر القواعد في الموضعين لكونه مستقرا بين الدوام والثبات على حالة واحدة ويقال للمركوب من الإبل قعود لدوام اقتعاده اقتضاء، وإن لم يكن حقيقة فهو لصونه عن الحمل واتخاذه للركوب كأنه وجد فيه نوع قعود دائم اقتضى ذلك ولم يرد للإجلاس الثاني: النظر إلى تقاليب الحروف فإنك إذا نظرت إلى ق ع د وقلبتها تجد معنى المكث في الكل فإذا قدمت القاف رأيت قعد وقدع بمعنى ومنه تقادع الفراش بمعنى تهافت، وإذا قدمت العين رأيت عقد وعدق بمعنى المكث في غاية الظهور وفي عدق لخفاء يقال: أعدق بيدك الدلو في البئر إذا أمره بطلبه بعد وقوعه فيها والعودقة خشبة عليها كلاب يخرج معه الدلو الواقع في البئر، وإذا قدمت الدال رأيت دقع ودعق والمكث في الدقع ظاهر والدقعاء هي التراب الملتصق بالأرض والفقر المدقع هو الذي يلصق صاحبه بالتراب. وفي دعق أيضا إذ الدعق مكان تطؤه الدواب بحوافرها فيكون صلبا أجزاؤه متداخل بعضها ببعض لا يتحرك شيء منها عن موضعه الوجه الثالث: الاستعمالات في القعود إذا اعتبرت ظهر ما ذكرنا قال تعالى: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) * (النساء: 95) والمراد الذي لا يكون بعده اتباع وقال تعالى: * (مقاعد للقتال) * (آل عمران: 121) مع أنه تعالى قال: * (إن الله