محاسبين ومجزيين فكذلك، ثم لما بين أن الموت كائن والحشر بعده لازم، بين ما يكون بعد الحشر ليكون ذلك باعثا للمكلف على العمل الصالح، وزاجرا للمتمرد عن العصيان والكذب فقال:
* (فأمآ إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنات نعيم) *.
هذا وجه تعلقه معنى، وأما تعلقه لفظا فنقول: لما قال: * (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها) * (الواقعة: 86، 87) وكان فيها أن رجوع الحياة والنفس إلى البدن ليس تحت قدرتهم ولا رجوع لهم بعد الموت إلى الدنيا صار كأنه قال: أنتم بعد الموت دائمون في دار الإقامة ومجزيون، فالمجزى إن كان من المقربين فله الروح والريحان، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في معنى الروح وفيه وجوه الأول: هو الرحمة قال تعالى: * (ولا تيأسوا من روح الله) * (يوسف: 87) أي من رحمة الله الثاني: الراحة الثالث: الفرح، وأصل الروح السعة، ومنه الروح لسعة ما بين الرجلين دون الفحج، وقرئ، * (فروح) * بضم الراء بمعنى الرحمة.
المسألة الثانية: في الكلام إضمار تقديره: فله روح أفصحت الفاء عنه لكونه فاء الجزاء لربط الجملة بالشرط فعلم كونها جزاء، وكذلك إذا كان أمرا أو نهيا أو ماضيا، لأن الجزاء إذا كان مستقبلا يعلم كونه جزاء بالجزم الظاهر في السمع والخط، وهذه الأشياء التي ذكرت لا تحتمل الجزم، أما غير الأمر والنهي فظاهر، وأما الأمر والنهي فلأن الجزم فيهما ليس لكونهما جزاءين فلا علامة للجزاء فيه، فاختاروا الفاء فإنها لترتيب أمر على أمر، والجزاء مرتب على الشرط.
المسألة الثالثة: في الريحان، وقد تقدم تفسيره في قوله تعالى: * (ذو العصف والريحان) * (الرحمن: 12) ولكن ههنا فيه كلام، فمنهم من قال: المراد ههنا ما هو المراد ثمة، إما الورق وإما الزهر وإما النبات المعروف، وعلى هذا فقد قيل: إن أرواح أهل الجنة لا تخرج من الدنيا إلا ويؤتى إليهم بريحان من الجنة يشمونه، وقيل: إن المراد ههنا غير ذلك وهو الخلود، وقيل: هو رضاء الله تعالى عنهم فإذا قلنا: الروح هو الرحمة فالآية كقوله تعالى: * (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم) * (التوبة: 21) وأما: * (جنة نعيم) * فقد تقدم القول فيها عند تفسير السابقين في قوله: * (أولئك المقربون * في جنات النعيم) * (الواقعة: 11، 12) وذكرنا فائدة التعريف هناك وفائدة التنكير ههنا.
المسألة الرابعة: ذكر في حق المقربين أمورا ثلاثة ههنا وفي قوله تعالى: * (يبشرهم ربهم) * (التوبة: 21) وذلك لأنهم أتوا بأمور ثلاثة وهي: عقيدة حقة وكلمة طيبة وأعمال حسنة، فالقلب واللسان والجوارح كلها كانت مرتبة برحمة الله على عقيدته، وكل من له عقيدة حقة يرحمه الله ويرزقه الله دائما وعلى الكلمة الطيبة وهي كلمة الشهادة، وكل من قال: لا إله إلا الله فله رزق كريم والجنة له على أعماله الصالحة، قال تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله) * (التوبة: 111) وقال: * (ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى) * (النازعات: 40، 41) فإن قيل: فعلى هذا من أتى بالعقيدة