عنه والإتيان بالحركة عقيبه من غير فصل ومثال الثاني: تسكين الساكن فإنه يمكن مع إبقاء السكون فيه ومع إزالته عقيبه من غير فصل أو مع فصل، إذ يمكن أن يزيل عنه السكون ولا يحركه مع بقاء الجسم، إذا عرفت هذا فالله تعالى خلق الأجسام الكثيرة في زمان واحد وخلق فيها صفات مختلفة في غير ذلك الزمان، فإيجادها فيه لا في زمان آخر بعد ذلك الزمان فمن خلقه فقيرا في زمان لم يمكن خلقه غنيا في عين ذلك الزمان مع خلقه فقيرا فيه وهذا ظاهر، والذي يظن أن ذلك يلزم منه العجز أو يتوهم فليس كذلك بل العجز في خلاف ذلك لأنه لو خلقه فقيرا في زمان يريد كونه غنيا لما وقع الغنى فيه مع أنه أراده، فيلزم العجز من خلاف ما قلنا: لا فيما قلنا، فإذن كل زمان هو غير الزمان الآخر فهو معنى قوله: * (كل يوم هو في شأن) * وهو المراد من قول المفسرين: أغنى فقيرا وأفقر غنيا، وأعز ذليلا وأذل عزيزا، إلى غير ذلك من الأضداد. ثم اعلم أن الضدين ليسا منحصرين في مختلفين بل المثلان في حكمهما فإنهما لا يجتمعان، فمن وجد فيه حركة إلى مكان في زمان لا يمكن أن توجد فيه في ذلك الزمان حركة أخرى أيضا إلى ذلك المكان، وليس شأن الله مقتصرا على إفقار غنى أو إغناء فقير في يومنا دون إفقاره أو إغنائه أمس، ولا يمكن أن يجمع في زيد إغناء هو أمسي مع إغناء هو يومي، فالغنى المستمر للغني في نظرنا في الأمر متبدل الحال، فهو أيضا من شأن الله تعالى، واعلم أن الله تعالى يوصف بكونه: لا يشغله شأن عن شأن، ومعناه أن الشأن الواحد لا يصير مانعا له تعالى عن شأن آخر كما أنه يكون مانعا لنا، مثاله: واحد منا إذا أراد تسويد جسم بصبغة يسخنه بالنار أو تبييض جسم يبرده بالماء والماء والنار متضادان إذا طلب منه أحدهما وشرع فيه يصير ذلك مانعا له من فعل الآخر، وليس ذلك الفعل مانعا من الفعل لأن تسويد جسم وتبييض آخر لا تنافي بينهما، وكذلك تسخينه وتسويده بصبغة لا تنافي فيه، فالفعل صار مانعا للفاعل من فعله ولم يصر مانعا من الفعل، وفي حق الله مالا يمنع الفعل لا يمنع الفاعل، فيوجد تعالى من الأفعال المختلفة مالا يحصر ولا يحصى في آن واحد، أما ما يمنع من الفعل كالذي يسود جسما في آن لم يمكنه أن يبيضه في ذلك الآن، فهو قد يمنع الفاعل أيضا وقد لا يمنع ولكن لا بد من منعه للفاعل، فالتسويد لا يمكن معه التبييض، والله تعالى لا يشغله شأن عن شأن أصلا لكن أسبابه تمنع أسبابا آخر لا تمنع الفاعل. إذا علمت هذا البحث فقد أفادك.
* (سنفرغ لكم أيها الثقلان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
التحقيق في قوله تعالى: * (سنفرغ لكم أيها الثقلان، فبأي آلاء ربكما تكذبان) * ولنذكر أولا ما قيل فيه تبركا بأقوال المشايخ ثم نحققه بالبيان الشافي فنقول: اختلف المفسرون فيه وأكثرهم على أن المراد سنقصدكم بالفعل، وقال بعضهم: خرج ذلك مخرج التهديد على ما هي عادة استعمال الناس