ثم قال تعالى:
* (يسأله من فى السماوات والارض كل يوم هو فى شأن * فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
وفيه وجهان أحدهما: أنه حال تقديره: يبقى وجه ربك مسؤولا وهذا منقول معقول، وفيه إشكال وهو أنه يفضي إلى التناقض لأنه لما قال: * (ويبقى وجه ربك) * (الرحمن: 27) كان إشارة إلى بقائه بعد فناء من على الأرض، فكيف يكون في ذلك الوقت مسؤولا لمن في الأرض؟ فأما إذا قلنا: الضمير عائد إلى (الأمور) الجارية (في يومنا) فلا إشكال في هذا الوجه، وأما على الصحيح فنقول عنه أجوبة أحدها: لما بينا أنه فان نظرا إليه ولا يبقى إلا بإبقاء الله، فيصح أن يكون الله مسؤولا ثانيها: أن يكون مسؤولا معنى لا حقيقة، لأن الكل إذا فنوا ولم يكن وجود إلا بالله، فكأن القوم فرضوا سائلين بلسان الحال ثالثها: أن قوله: * (ويبقى) * للاستمرار فيبقى ويعيد من كان في الأرض ويكون مسؤولا والثاني: أنه ابتداء كلام وهو أظهر وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ماذا يسأله السائلون؟ فنقول: يحتمل وجوها أحدها: أنه سؤال استعطاء فيسأله كل أحد الرحمة وما يحتاج إليه في دينه ودنياه ثانيها: أنه سؤال استعلام أي عنده علم الغيب لا يعلمه إلا هو، فكل أحد يسأله عن عاقبة أمره وعما فيه صلاحه وفساده.
فإن قيل: ليس كل أحد يعترف بجهله وعلم الله نقول: هذا كلام في حقيقة الأمر من جاهل، فإن كان من جاهل معاند فهو في الوجه الأول أيضا وارد، فإن من المعاندين من لا يعترف بقدرة الله فلا يسأله شيئا بلسانه وإن كان يسأله بلسان حاله لإمكانه، والوجه الأول إشارة إلى كمال القدرة أي كل أحد عاجز عن تحصيل ما يحتاج إليه. والوجه الثاني إشارة إلى كمال العلم أي كل أحد جاهل بما عند الله من المعلومات ثالثها: أن ذلك سؤال استخراج، أمر. وقوله: * (من في السماوات والأرض) * أي من الملائكة يسألونه كل يوم ويقولون: إلهنا ماذا نفعل وبماذا تأمرنا، وهذا يصلح جوابا آخر عن الإشكال على قول من قال: يسأله حال لأنه يقول: قال تعالى: * (كل من عليها فان) * (الرحمن: 26) ومن عليها تكون الأرض مكانه ومعتمده ولولاها لا يعيش وأما من فيها من الملائكة الأرضية فهم فيها وليسوا عليها ولا تضرهم زلزلتها، فعندما يفنى من عليها ويبقى الله تعالى لا يفنى هؤلاء في تلك الحال فيسألونه ويقولون: ماذا نفعل فيأمرهم بما يأمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ثم يقول لهم: عندما يشاء موتوا فيموتوا هذا على قول من قال: * (يسأله) * حال وعلى الوجه الآخر لا إشكال.
المسألة الثانية: هو عائد إلى من؟ نقول: الظاهر المشهور أنه عائد إلى الله تعالى وعليه اتفاق المفسرين، ويدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك الشأن فقال: " يغفر