لابتداء الغاية، بمعنى هذا إنذار من المنذرين المتقدمين، يقال: هذا الكتاب، وهذا الكلام من فلان وعلى الأقوال كلها ليس ذكر الأولى لبيان الموصوف بالوصف وتمييزه عن النذر الآخرة كما يقال: الفرقة الأولى احترازا عن الفرقة الأخيرة، وإنما هو لبيان الوصف للموصوف، كما يقال: زيد العالم جاءني فيذكر العالم، إما لبيان أن زيدا عالم غير أنك لا تذكره بلفظ الخبر فتأتي به على طريقة الوصف، وإما لمدح زيد به، وإما لأمر آخر، والأولى على العود إلى لفظ الجمع وهو النذر ولو كان لمعنى الجمع لقال: من النذر الأولين يقال من الأقوام المتقدمة والمتقدمين على اللفظ والمعنى.
ثم قال تعالى: * (أزفت الازفة) *.
وهو كقوله تعالى: * (وقعت الواقعة) * (الواقعة: 1) ويقال: كانت الكائنة. وهذا الاستعمال يقع على وجوه منها ما إذا كان الفاعل صار فاعلا لمثل ذلك الفعل من قبل، ثم صدر منه مرة أخرى مثل الفعل، فيقال: فعل الفاعل أي الذي كان فاعلا صار فاعلا مرة أخرى، يقال: حاكه الحائك أي من شغله ذلك من قبل فعله، ومنها ما يصير الفاعل فاعلا بذلك الفعل، ومنه يقال: " إذا مات الميت انقطع عمله " وإذا غصب العين غاصب ضمنه، فقوله: * (أزفت الآزفة) * يحتمل أن يكون من القبيل الأول أي قربت الساعة التي كل يوم يزداد قربها فهي كائنة قريبة وازدادت في القرب، ويحتمل أن يكون كقوله تعالى: * (وقعت الواقعة) * أي قرب وقوعها وأزفت فاعلها في الحقيقة القيامة أو الساعة، فكأنه قال: أزفت القيامة الآزفة أو الساعة أو مثلها.
وقوله تعالى: * (ليس لها من دون الله كاشفة) *.
فيه وجوه أحدها: لا مظهر لها إلا الله فمن يعلمها لا يعلم إلا بإعلام الله تعالى إياه وإظهاره إياها له، فهو كقوله تعالى: * (إن الله عنده علم الساعة) * (لقمان: 34) وقوله تعالى: * (لا يجليها لوقتها إلا هو) * (الأعراف: 187).
ثانيها: لا يأتي بها إلا الله، كقوله تعالى: * (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو) * (الأنعام: 17) وفيه مسائل:
الأولى: * (من) * زائدة تقديره ليس لها غير الله كاشفة، وهي تدخل على النفي فتؤكد معناه، تقول: ما جاءني أحد وما جاءني من أحد، وعلى هذا يحتمل أن يكون فيه تقديم وتأخير، تقديره ليس لها من كاشفة دون الله، فيكون نفيا عاما بالنسبة إلى الكواشف، ويحتمل أن يقال: ليست بزائدة بل معنى الكلام أنه ليس في الوجود نفس تكتشفها أي تخبر عنها كما هي ومتى وقتها من غير الله تعالى يعني من يكشفها فإنما يكشفها من الله لا من غير الله يقال: كشف الأمر من زيد، ودون يكون بمعنى غير كما في قوله تعالى: * (أئفكا آلهة دون الله تريدون) * (الصافات: 86) أي غير الله.
المسألة الثانية: كاشفة صفة لمؤنث أي نفس كاشفة، وقيل هي للمبالغة كما في العلامة وعلى هذا لا يقال بأنه نفى أن يكون لها كاشفة بصيغة المبالغة ولا يلزم من الكاشف الفائق نفي نفس الكاشف، لأنا نقول: لو كشفها أحد لكان كاشفا بالوجه الكامل، فلا كاشف لها ولا يكشفها