* (إذ أنشأكم) * عائد إلى جميع الناس، فينبغي أن يكون جميع الناس أجنة في بطون الأمهات، وهو قول الفلاسفة؟ نقول ليس كذلك، لأنا نقول: الخطاب مع الموجودين حالة الخطاب، وقوله تعالى: * (هو أعلم بكم) * خطاب مع كل من بعد الإنزال على قول، ومع من حضر وقت الإنزال على قول، ولا شك أن كل هؤلاء من الأرض وهم كانوا أجنة.
المسألة الرابعة: الأجنة هم الذين في بطون الأمهات، وبعد الخروج لا يسمى إلا ولدا أو سقطا، فما فائدة قوله تعالى: * (في بطون أمهاتكم) *؟ نقول: التنبيه على كمال العلم والقدرة، فإن بطن الأم في غاية الظلمة، ومن علم بحال الجنين فيها لا يخفى عليه ما ظهر من حال العباد.
المسألة الخامسة: لقائل أن يقول: إذا قلنا إن قوله * (هو أعلم بكم) * تقرير لكونه عالما بمن ضل، فقوله تعالى: * (فلا تزكوا أنفسكم) * تعلقه به ظاهر، وأما إن قلنا إنه تأكيد وبيان للجزاء، فإنه يعلم الأجزاء فيعيدها إلى أبدان أشخاصها، فكيف يتعلق به * (فلا تزكوا أنفسكم) *؟ نقول: معناه حينئذ فلا تبرئوا أنفسكم من العذاب، ولا تقولوا تفرقت الأجزاء فلا يقع العذاب، لأن العالم بكم عند الإنشاء عالم بكم عند الإعادة، وعلى هذا قوله: * (أعلم بمن اتقى) * أي يعلم أجزاءه فيعيدها إليه، ويثيبه بما أقدم عليه. المسألة السادسة: الخطاب مع من؟ فيه ثلاثة احتمالات الأول: مع الكفار، وهذا على قولنا إنهم قالوا كيف يعلمه الله، فرد عليهم قولهم الثاني كل من كان زمان الخطاب وبعده من المؤمنين والكفار الثالث هو مع المؤمنين، وتقريره: هو أن الله تعالى لما قال: * (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا) * (النجم: 29) قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: قد علم كونك ومن معك على الحق، وكون المشركين على الباطل، فأعرض عنهم ولا تقولوا: نحن على الحق وأنتم على الضلال، لأنهم يقابلونكم بمثل ذلك، وفوض الأمر إلى الله تعالى، فهو أعلم بمن اتقى ومن طغى، وعلى هذا فقول من قال: * (فأعرض) * منسوخ أظهر، وهو كقوله تعالى:
* (وإنا أو إياكم لعلى هدي أو في ضلال مبين) * (سبأ: 24) والله أعلم بجملة الأمور، ويحتمل أن يقال: على هذا الوجه الثالث إنه إرشاد للمؤمنين، فخاطبهم الله وقال: هو أعلم بكم أيها المؤمنون، علم ما لكم من أول خلقكم إلى آخر يومكم، فلا تزكوا أنفسكم رياء وخيلاء، ولا تقولوا لآخر أنا خير منك وأنا أزكى منك وأتقى، فإن الأمر عند الله، ووجه آخر وهو إشارة إلى وجوب الخوف من العاقبة، أي لا تقطعوا بخلاصكم أيها المؤمنون، فإن الله يعلم عاقبة من يكون على التقي، وهذا يؤيد قول من يقول: أنا مؤمن إن شاء الله للصرف إلى العاقبة ثم قال تعالى:
* (أفرأيت الذى تولى * وأعطى قليلا وأكدى * أعنده علم الغيب