ومعنى الكلام لا يقال: لأحد اعف عن فلان، لبيان أن لا مسؤول في ذلك الوقت من الإنس والجن، وإنما كلهم سائلون الله والله تعالى حينئذ هو المسؤول.
وأما المعنوية فالأولى: كيف الجمع بين هذا وبين قوله تعالى: * (فوربك لنسئلنهم أجمعين) * (الحجر: 92) وبينه وبين قوله تعالى: * (وقفوهم إنهم مسؤولون) *؟ (الصافات: 24) نقول: على الوجه المشهور جوابان أحدهما: أن للآخرة مواطن. فلا يسأل في موطن، ويسأل في موطن وثانيهما: وهو أحسن لا يسأل عن فعله أحد منكم، ولكن يسأل بقوله: لم فعل الفاعل فلا يسأل سؤال استعلام، بل يسأل سؤال توبيخ، وأما على الوجه الثاني فلا يرد السؤال، فلا حاجة إلى بيان الجمع.
والثانية: ما الفائدة في بيان عدم السؤال؟ نقول: على الوجه المشهور فائدته التوبيخ لهم كقوله تعالى: * (وجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة) * (عبس: 40، 41) وقوله تعالى: * (فأما الذين اسودت وجوههم) * (آل عمران: 106) وعلى الثاني بيان أن لا يؤخذ منهم فدية، فيكون ترتيب الآيات أحسن، لأن فيها حينئذ بيان أن لا مفر لهم بقوله: * (إن استطعتم أن تنفذوا) * (الرحمن: 33) ثم بيان أن لا مانع عنهم بقوله: * (فلا تنتصران) * (الرحمن: 35) ثم بيان أن لا فداء لهم عنهم بقوله: لا يسأل، وعلى الوجه الأخير، بيان أن لا شفيع لهم ولا راحم وفائدة أخرى: وهو أنه تعالى لما بين أن العذاب في الدنيا مؤخر بقوله: * (سنفرغ لكم) * (الرحمن: 31) بين أنه في الآخرة لا يؤخر بقدر ما يسأل وفائدة أخرى: وهو أنه تعالى لما بين أن لا مفر لهم بقول: * (لا تنفذون) * (الرحمن: 33) ولا ناصر لهم يخلصهم بقوله: * (فلا تنتصران) * بين أمرا آخر، وهو أن يقول المذنب: ربما أنجو في ظل خمول واشتباه حال، فقال: ولا يخفى أحد من المذنبين بخلاف أمر الدنيا، فإن الشرذمة القليلة ربما تنجو من العذاب العام بسبب خمولهم.
وقال تعالى:
* (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصى والاقدام * فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
اتصال الآيات بما قبلها على الوجه المشهور، ظاهر لا خفاء فيه، إذ قوله: * (يعرف المجرمون) * كالتفسير وعلى الوجه الثاني من أن المعنى لا يسأل عن ذنبه غيره كيف قال: يعرف ويؤخذ وعلى قولنا: لا يسأل سؤال حط وعفو أيضا كذلك، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: السيما كالضيزى وأصله سومى من السومة وهو يحتمل وجوها أحدها: كي على جباههم، قال تعالى: * (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم) * (التوبة: 35) ثانيها: سواد كما قال تعالى: * (فأما الذين اسودت وجوههم) * (آل عمران: 106) وقال تعالى: * (وجوههم مسودة) * (الزمر: 60) ثالثها: غبرة وقترة.
المسألة الثانية: ما وجه إفراد (يؤخذ) مع أن (المجرمين) جمع، وهم المأخوذون؟ نقول فيه