وعندي فيه وجه ثالث وهو أنه ليس المراد من تخصيص الإحياء والإماتة بزمان معين وبأشخاص معينين، بل معناه أنه هو القادر على خلق الحياة والموت، كما قال في سورة الملك: * (الذي خلق الموت والحياة) * (الملك: 2) والمقصود منه كونه سبحانه هو المنفرد بإيجاد هاتين الماهيتين على الإطلاق، لا يمنعه عنهما مانع ولا يرده عنهما راد، وحينئذ يدخل فيه الوجهان اللذان ذكرهما المفسرون.
المسألة الثانية: موضع * (يحيي ويميت) * رفع على معنى هو يحيي ويميت، ويجوز أن يكون نصبا على معنى: له ملك السماوات والأرض حال كونه محييا ومميتا.
واعلم أنه تعالى لما ذكر دلائل الآفاق أولا: ودلائل الأنفس ثانيا: ذكر لفظا يتناول الكل فقال: * (وهو على كل شيء قدير) * وفوائد هذه الآية مذكورة في أول سورة الملك.
* (هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في تفسير هذه الآية: " إنه الأول ليس قبله شيء والآخر ليس بعده شيء " وأعلم أن هذا المقام مقام مهيب غامض عميق والبحث فيه من وجوه: الأول: أن تقدم الشيء على الشيء يعقل على وجوه أحدها: التقدم بالتأثير فإنا نعقل أن لحركة الأصبع تقدما على حركة الخاتم، والمراد من هذا التقدم كون المتقدم مؤثرا في المتأخر وثانيها: التقدم بالحاجة لا بالتأثير، لأنا نعقل احتياج الاثنين إلى الواحد وإن كنا نعلم أن الواحد ليس علة للاثنين وثالثها: التقدم بالشرف كتقدم أبي بكر على عمر ورابعها: التقدم بالرتبة، وهو إما من مبدأ محسوس كتقدم الإمام على المأموم، أو من مبدأ معقول، وذلك كما إذا جعلنا المبدأ هو الجنس العالي، فإنه كلما كان النوع أشد تسفلا كان أشد تأخرا، ولو قلبناه انقلب الأمر وخامسها: التقدم بالزمان، وهو أن الموجود في الزمان المتقدم، متقدم على الموجود في الزمان المتأخر، فهذا ما حصله أرباب العقول من أقسام القبلية والتقدم وعندي أن ههنا قسما سادسا، وهو مثل تقدم بعض أجزاء الزمان على البعض، فإن ذلك التقدم ليس تقدما بالزمان، وإلا وجب أن يكون الزمان محيطا بزمان آخر، ثم الكلام في ذلك المحيط كالكلام في المحاط به، فيلزم أن يحيط بكل زمان زمان آخر لا نهاية بحيث تكون كلها حاضرة في هذا الآن، فلا يكون هذا الآن الحاضر واحدا، بل يكون كل حاضر في حاضر آخر لا إلى نهاية وذلك غير معقول، وأيضا فلأن مجموع تلك الآنات الحاضرة متأخر عن مجموع الآنات الماضية، فلمجموع الأزمنة زمان آخر محيط بها لكن ذلك محال، لأنه لما كان زمانا كان داخلا في مجموع الأزمنة، فإذا ذلك لزمان داخل في ذلك المجموع وخارج عنه وهو محال، فظهر بهذا البرهان الظاهر أن تقدم بعض أجزاء الزمان على البعض ليس بالزمان، وظاهر أنه ليس بالعلة ولا بالحاجة، وإلا لوجدا معا، كما أن العلة والمعلول