المسألة الرابعة: * (إلا ما سعى) * بصيغة الماضي دون المستقبل لزياد الحث على السعي في العمل الصالح وتقريره هو أنه تعالى لو قال: ليس للإنسان إلا ما يسعى، تقول النفس إني أصلي غدا كذا ركعة وأتصدق بكذا درهما، ثم يجعل مثبتا في صحيفتي الآن لأنه أمر يسعى وله فيه ما يسعى فيه، فقال: ليس له إلا ما قد سعى وحصل وفرغ منه، وأما تسويلات الشيطان وعداته فلا اعتماد عليها ثم قال تعالى:
* (وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزآء الأوفى) *.
أي يعرض عليه ويكشف له من أريته الشيء، وفيه بشارة للمؤمنين على ما ذكرنا، وذلك أن الله يريه أعماله الصالحة ليفرح بها، أو يكون يرى ملائكته وسائر خلقه ليفتخر العامل به على ما هو المشهور وهو مذكور لفرح المسلم ولحزن الكافر، فإن سعيه يرى للخلق، ويرى لنفسه ويحتمل أن يقال: هو من رأى يرى فيكون كقوله تعالى: * (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله) * (التوبة: 105) وفيها وفي الآية التي بعدها مسائل:
الأولى: العمل كيف يرى بعد وجوده ومضيه؟ نقول فيه وجهان: أحدهما: يراه على صورة جميلة إن كان العمل صالحا ثانيهما: هو على مذهبنا غير بعيد فإن كل موجود يرى، والله قادر على إعادة كل معدوم فبعد الفعل يرى وفيه وجه ثالث: وهو أن ذلك مجاز عن الثواب يقال: سترى إحسانك عند الملك أي جزاءه عليه وهو بعيد لما قال بعده: * (ثم يجزاه الجزاء الأوفى) *.
المسألة الثانية: الهاء ضمير السعي أي ثم يجزى الإنسان سعيه بالجزاء، والجزاء يتعدى إلى مفعولين قال تعالى: * (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) * (الإنسان: 12) ويقال: جزاك الله خيرا، ويتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بحرف يقال: جزاه الله على عمله الخير الجنة، ويحذف الجار ويوصل الفعل فيقال: جزاه الله عمله الخير الجنة، هذا وجه، وفيه وجه آخر وهو أن الضمير للجزاء، وتقديره ثم يجزى جزاء ويكون قوله: * (الجزاء الأوفى) * تفسيرا أو بدلا مثل قوله تعالى: * (وأسروا النجوى الذين ظلموا) * (الأنبياء: 3) فإن التقدير والذين ظلموا أسروا النجوى، الذين ظلموا، والجزاء الأوفى على ما ذكرنا يليق بالمؤمنين الصالحين لأنه جزاء الصالح، وإن قال تعالى: * (فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا) * (الإسراء: 63) وعلى ما قيل: يجاب أن الأوفى بالنظر إليه فإن جهنم ضررها أكثر بكثير مع نفع الآثام فهي في نفسها أوفى.
المسألة الثالثة: * (ثم) * لتراخي الجزاء أو لتراخي الكلام أي ثم نقول يجزاه فإن كان لتراخي الجزاء فكيف يؤخر الجزاء عن الصالح، وقد ثبت أن الظاهر أن المراد منه الصالح؟ نقول: الوجهان محتملان وجواب السؤال هو أن الوصف بالأوفى يدفع ما ذكرت لأن الله تعالى من أول زمان يموت الصالح يجزيه جزاء على خيره ويؤخر له الجزاء الأوفى، وهي الجنة أو نقول الأوفى إشارة إلى الزيادة فصار كقوله تعالى: * (للذين أحسنوا الحسنى) * (يونس: 26) وهي الجنة: * (وزيادة ) * وهي الرؤية فكأنه