السماوات وما في الأرض) * كلاما معترضا، ويحتمل أن يقال: هو متعلق بقوله تعالى: * (فأعرض) * (النجم: 29) أي أعرض عنهم ليقع الجزاء، كما يقول المريد فعلا لمن يمنعه منه زرني لأفعله، وذلك لأن ما دام النبي صلى الله عليه وسلم لم ييأس ما كان العذاب ينزل والإعراض وقت اليأس، وقوله تعالى: * (ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) * حينئذ يكون مذكورا ليعلم أن العذاب الذي عند إعراضه يتحقق ليس مثل الذي قال تعالى فيه: * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * (الأنفال: 25) بل هو مختص بالذين ظلموا وغيرهم لهم الحسنى، وقوله تعالى في حق المسئ * (بما عملوا) * وفي حق المحسن * (بالحسنى) * فيه لطيفة لأن جزاء المسئ عذاب فنبه على ما يدفع الظلم فقال: لا يعذب إلا عن ذنب، وأما في الحسنى فلم يقل: بما عملوا لأن الثواب إن كان لا على حسنة يكون في غاية الفضل فلا يخل بالمعنى هذا إذا قلنا الحسنى هي المثوبة بالحسنى، وأما إذا قلنا الأعمال الحسنى ففيه لطيفة غير ذلك، وهي أن أعمالهم لم يذكر فيها التساوي، وقال في أعمال المحسنين * (الحسنى) * إشارة إلى الكرم والصفح حيث ذكر أحسن الإسمين والحسنى صفة أقيمت مقام الموصوف كأنه تعالى قال بالأعمال الحسنى كقوله تعالى: * (الأسماء الحسنى) * (الأعراف: 180) وحينئذ هو كقوله تعالى: * (لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) * (العنكبوت: 7) أي يأخذ أحسن أعمالهم ويجعل ثواب كل ما وجد منهم لجزاء ذلك الأحسن أو هي صفة المثوبة، كأنه قال: ويجزي الذين أحسنوا بالمثوبة الحسنى أو بالعاقبة الحسنى أي جزاؤهم حسن العاقبة وهذا جزاء فحسب، وأما الزيادة التي هي الفضل بعد الفضل فغير داخلة فيه.
* (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الارض وإذ أنتم أجنة فى بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) *.
ثم قال تعالى: * (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) * الذين يحتمل أن يكون بدلا عن الذين أحسنوا وهو الظاهر، وكأنه تعالى قال ليجزي الذين أساءوا ويجزي الذين أحسنوا، ويتبين به أن المحسن ليس ينفع الله بإحسانه شيئا وهو الذي لا يسيء ولا يرتكب القبيح الذي هو سيئة في نفسه عند ربه فالذين أحسنوا هم الذين اجتنبوا ولهم الحسنى، وبهذا يتبين المسئ والمحسن لأن من لا يجتنب كبائر الإثم يكون مسيئا والذي يجتنبها يكون محسنا، وعلى هذا ففيه لطيفة وهو أن المحسن لما كان هو من يجتنب الآثام فالذي يأتي بالنوافل يكون فوق المحسن، لكن الله تعالى وعد المحسن بالزيادة فالذي فوقه يكون له زيادات فوقها وهم الذين لهم جزاء الضعف، ويحتمل أن يكون ابتداء كلام تقديره الذين يجتنبون كبائر الإثم يغفر الله لهم والذي يدل عليه قوله تعالى: * (إن ربك واسع المغفرة) * وعلى هذا تكون هذه الآية مع ما قبلها مبينة لحال المسئ والمحسن وحال من لم يحسن ولم يسيء وهم الذين لم يرتكبوا سيئة وإن لم تصدر منهم الحسنات، وهم كالصبيان الذين لم يوجد فيهم شرائط التكليف ولهم الغفران وهو دون الحسنى، ويظهر هذا بقوله تعالى بعده: * (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة) * أي يعلم الحالة التي لا إحسان فيها ولا