والعزب والكبرى والحبلى، وذلك لا يدل على ما ذهب إليه، لأن الذكورة والأنوثة من الصفات التي لا يتبدل بعضها ببعض، فلا يصاغ لها أفعال لأن الفعل لما يتوقع له تجدد في صورة الغالب، ولهذا لم يوجد للإضافيات أفعال كالأبوة والبنوة والأخوة إذ لم تكن من الذي يتبدل، ووجد للإضافيات المتبدلة أفعال يقال: وأخاه وتبناه لما لم يكن مثبتا بتكلف فقبل التبدل.
* (من نطفة إذا تمنى) *.
وقوله تعالى: * (من نطفة) * أي قطعة من الماء.
وقوله تعالى: * (إذا تمنى) * من أمنى المني إذا نزل أو منى يمني إذا قدر وقوله تعالى: * (من نطفة) * تنبيه على كمال القدرة لأن النطفة جسم متناسب الأجزاء، ويخلق الله تعالى منه أعضاء مختلفة وطباعا متباينة وخلق الذكر والأنثى منها أعجب ما يكون على ما بينا، ولهذا لم يقدر أحد على أن يدعيه كما لم يقدر أحد على أن يدعي خلق السماوات، ولهذا قال تعالى: * (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) * كما قال: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * (الزمر: 38).
ثم قال تعالى: * (وأن عليه النشأة الاخرى) *.
وهي في قول أكثر المفسرين إشارة إلى الحشر، والذي ظهر لي بعد طول التفكر والسؤال من فضل الله تعالى الهداية فيه إلى الحق، أنه يحتمل أن يكون المراد نفخ الروح الإنسانية فيه، وذلك لأن النفس الشريفة لا الأمارة تخالط الأجسام الكثيفة المظلمة، وبها كرم الله بني آدم، وإليه الإشارة في قوله: * (فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر) * (المؤمنون: 14) غير خلق النطفة علقة، والعلقة مضغة، والمضغة عظاما، وبهذا الخلق الآخر تميز الإنسان عن أنواع الحيوانات، وشارك الملك في الإدراكات فكما قال هنالك: * (أنشأناه خلقا آخر) * (المؤمنون: 14) بعد خلق النطفة قال ههنا: * (وأن عليه النشأة الأخرى) * فجعل نفخ الروح نشأة أخرى كما جعله هنالك إنشاء آخر، والذي أوجب القول بهذا هو أن قوله تعالى: * (وأن إلى ربك المنتهى) * (النجم: 42) عند الأكثرين لبيان الإعادة، وقوله تعالى: * (ثم يجزاه الجزاء الأوفى) * (النجم: 41) كذلك فيكون ذكر النشأة الأخرى إعادة، ولأنه تعالى قال بعد هذا: * (وأنه هو أغنى وأقنى) * (النجم: 48) وهذا من أحوال الدنيا، وعلى ما ذكرنا يكون الترتيب في غاية الحسن فإنه تعالى يقول: خلق الذكر والأنثى ونفخ فيهما الروح الإنسانية الشريفة ثم أغناه بلبن الأم وبنفقة الأب في صغره، ثم أقناه بالكسب بعد كبره، فإن قيل: فقد وردت النشأة الأخرى للحشر في قوله تعالى: * (فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الأخرى) * (العنكبوت: 20) نقول الآخرة من الآخر لا من الآخر لأن الآخر أفعل، وقد تقدم على أن هناك لما ذكر البدء حمل على الإعادة وههنا ذكر خلقه من نطفة، كما في قوله: * (ثم خلقنا النطفة علقة) * ثم قال: * (أنشأناه خلقا آخر) * (المؤمنون: 14) وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: * (على) * للوجوب، ولا يجب على الله الإعادة، فما معنى قوله تعالى: * (وأن عليه) *