قوله تعالى: * (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) * (الرعد: 31) فكأنه آلة ومحل له، وفي قوله تعالى: * (آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) * (الحجر: 87) وفي كثير من المواضع ذكر القرآن لهذا الكتاب الكريم، وبين القرآن والميزان مناسبة، فإن القرآن فيه من العلم مالا يوجد في غيره من الكتب، والميزان فيه من العدل مالا يوجد في غيره من الآلات، فإن قيل: ما الفائدة في تقديم السماء على الفعل حيث قال: * (والسماء رفعها) * وتقديم الفعل على الميزان حيث قال: * (ووضع الميزان) * (الرحمن: 7) نقول: قد ذكرنا مرارا أن في كل كلمة من كلمات الله فوائد لا يحيط بها علم البشر إلا ما ظهر والظاهر ههنا أنه تعالى لما عد النعم الثمانية كما بينا وكان بعضها أشد اختصاصا بالإنسان من بعض فما كان شديد الاختصاص بالإنسان قدم فيه الفعل، كما بينا أن الإنسان يقول: أعطيتك الألوف وحصلت لك العشرات، فلا يصرح في القليل بإسناد الفعل إلى نفسه، وكذلك يقول: في النعم المختصة، أعطيتك كذا، وفي التشريك وصل إليك مما اقتسمتم بينكم كذا، فيصرح بالإعطاء عند الاختصاص، ولا يسند الفعل إلى نفسه عند التشريك، فكذلك ههنا ذكر أمورا أربعة بتقديم الفعل، قال تعالى: * (علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) * * (ووضع الميزان) * (الرحمن: 7) وأمورا أربعة بتقديم الاسم، قال تعالى: * (والشمس والقمر... والنجم والشجر... والسماء رفعها... والأرض وضعها) * (الرحمن: 5 - 10) لما أن تعليم القرآن نفعه إلى الإنسان أعود، وخلق الإنسان مختص به، وتعليمه البيان كذلك ووضع الميزان، كذلك لأنهم هم المنتفعون به الملائكة، ولا غير الإنسان من الحيوانات، وأما الشمس والقمر والنجم والشجر والسماء والأرض فينتفع به كل حيوان على وجه الأرض وتحت السماء. [بم ثم قال تعالى:
* (والارض وضعها للانام) *.
في مباحث: الأول: هو أنه قد مر أن تقديم الاسم على الفعل كان في مواضع عدم الاختصاص وقوله تعالى: * (للأنام) * يدل على الاختصاص، فإن اللام لعود النفع نقول: الجواب عنه من وجهين أحدهما: ما قيل: إن الأنام يجمع الإنسان وغيره من الحيوان، فقوله * (للأنام) * لا يوجب الاختصاص بالإنسان ثانيهما: أن الأرض موضوعة لكل ما عليها، وإنما خص الإنسان بالذكر لأن انتفاعه بها أكثر فإنه ينتفع بها وبما فيها وبما عليها، فقال * (للأنام) * لكثرة انتفاع الأنام بها، إذا قلنا إن الأنام هو الإنسان، وإن قلنا إنه الخلق فالخلق يذكر ويراد به الإنسان في كثير من المواضع.
* (فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام) *.
وقوله تعالى: * (فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام) * إشارة إلى الأشجار، وقوله: * (والحب ذو العصف) * (الرحمن: 12) إشارة إلى النبات الذي ليس بشجر والفاكهة ما تطيب به النفس، وهي فاعلة إما على طريقة: * (عيشة راضية) * (الحاقة: 21) أي ذات رضى يرضى بها كل أحد، وإما على تسمية الآلة بالفاعل يقال: راوية للقربة التي يروى بها العطشان، وفيه معنى المبالغة كالراحلة لما يرحل عليه، ثم صار اسما لبعض الثمار